الباب الأول في التشبيه وفيه اثنا عشر مبحثا
  وكما يقع التركيب في هيئة الحركة، قد يقع في هيئة السكون، كقول أبي الطيب في صفة الكلب:
  يقعى جلوس البدي المصطلي ... بأربع مجدولة لم تجدل(١)
  فلم ينل التشبيه حظا من الحسن إلا لما فيه من التفصيل من حيث كان لكل عضو من أعضاء الكلب في إقعائه موقع خاص، وكان مجموع تلك الجهات في حكم أشكال مختلفة تؤلف منها صورة خاصة، وكذلك صورة جلوس البدوي عند الاصطلاء.
  والمركب العقلي كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}(٢)، فالتشبيه منتزع من أمور مجموعة قرن بعضها الى بعض، ذلك أنه روعي من الحمار فعل مخصوص وهو الحمل، وأن يكون المحمول أوعية العلوم ومستودع ثمار العقول، وأن الحمار جاهل لما فيها، فلاحظ له إلا أن يثقل عليه الحمل أو يكد جنبيه، وكذا في جانب المشبه، فقد روعي أنهم فعلوا فعلا مخصوصا، هو الحمل المعنوي، وكون المحمول أوعية العلوم وكونهم جاهلين لما فيها.
  (تنبيه) قد تقع بعد أداة التشبيه أمور يظن أن المقصود أمر منتزع من بعضها، فيقع الخطأ لكونه أمرا منتزعا من جميعها، كقوله:
  كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت(٣)
  فإنه ربما يظن أن الشطر الأول منه تشبيه مستقل بنفسه، لا حاجة به الى الثاني، على أن المراد به ظهور أمر مطمع لمن هو شديد الحاجة اليه،
(١) الاقعاء الجلوس على الاليتين، والاصطلاء الاستدفاء بالنار، ومجدولة محكمة الخلق لم يحد لها انسان، والغرض مدح الكلب بشدة الحرص.
(٢) سورة الجمعة الآية ٥.
(٣) أقشعت اضمحلت وذهبت، وأبرقت قوما أي لقوم، ففي الأساس: أبرقت لي فلانه إذا تحسنت لك وتعرضت، وعطاش جمع عطشان. وقبله:
لقد أطمعتني بالوصال تبسما ... وبعد رجائي أعرضت وتولت