علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث السادس في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى تمثيل وغيره

صفحة 227 - الجزء 1

  وهو في كلتا الحالين يكسب المعاني منقبة، ويرفع قدرها، ويجعل لها في القلوب هزة وارتياحا، فإنك اذا تأملت حالك وحال المعنى قبل التمثيل وبعده ترى بونا شاسعا ومسافة الخلاف متسعة، ألا تراك تحس الفرق بين أن تقول: أرى قوما لهم بهاء ومنظر وليس لهم مخبر، وأن تنشد قول الشاعر:

  في شجر السرو منهم مثل ... له رواء وما له ثمر⁣(⁣١)

  فإن جاء في باب المدح كسا المعنى حلة من الفخامة وقضى للمادح بغر المنائح كقوله:

  فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا

  وإن جاء في باب الذم كان وقعه أشد وحده، كقوله تعالى: فيأوتي الآيات فانسلخ منها {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}⁣(⁣٢).

  وإن جاء في مقام الاحتجاج كان ساطع البرهان باهر البيان، كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}⁣(⁣٣).

  وإن جاء في مقام الوعظ كان أبلغ في التنبيه والزجر، كقوله تعالى في وصف نعيم الدنيا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً}⁣(⁣٤).

  وإن جاء في موضع الاعتذار خلب القلب وسحر اللب وسل السخيمة وأزال الموجدة والضغينة، كقول المتنبي:

  لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربا ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم

  وهكذا حاله في كل فنون القول وضروب الكلام، ولا سيما باب الوصف، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها}⁣(⁣٥).


(١) هو فصيلة الصفصاف.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٧٦.

(٣) سورة العنكبوت الآية ٤١.

(٤) سورة الحديد الآية ٢٠.

(٥) سورة إبراهيم الآية ٢٤.