المبحث الثاني عشر في تقسيم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية
  شبه الدموع باللؤلؤ، والعيون بالنرجس، والخدود بالورد، والأنامل بالعناب، والأسنان بالبرد، وقول الحريري:
  فزحزحت شفقا غشّى سنا قمر ... وتساقطت لؤلؤا من خاتم عطر(١)
  فقد شبه الخمار بالشفق لحمرته والوجه بالقمر والكلام باللؤلؤ والفم بالخاتم.
  ٢ - مكنية، وهي ما حذف فيها المشبه به ورمز اليه بشيء من لوازمه، نحو {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}(٢)، شبه الذل بطائر بجامع الخضوع واستعير الطائر للذل، ثم حذف ورمز اليه بشيء من لوازمه، وهو الجناح، على طريق الاستعارة بالكناية، وإثبات الجناح للذل استعارة تخييلية، وهي قرينة المكنية، ويجعل الطائر مستعارا للمخاطب (أي للولد في معاملة والديه) والأصل واخفض لهما جناحك ذلا، ونحوه قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(٣)، وقول الكميت:
  خفضت لهم مني جناحي ... الى كنف عطفاه أهل ومرحب
  ونحو {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ}(٤) قال في «الكشاف»: ساغ استعمال النقض في إبطال العهد من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من إثبات الوصلة بين المتعاهدين، وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكنوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرموزا اليه بذكر شيء من روادفه فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه، ونحوه قولك: شجاع يفترس أقرانه، وعالم يغترف منه الناس، فقد نبهت على الشجاع والعالم بأنهما أسد وبحر، انتهى.
  (تنبيه) علمت أن إثبات اللازم كالجناح للذل أو للمخاطب بلين الجانب للوالدين، والمأمور أن يذل لهما، وإثبات النقض للعهد يسمى استعارة تخييلية، وهي قرينة الاستعارة المكنية، وسمي ذلك الاثبات استعارة لأجل أن متعلقة وهو الأمر المختص بالمشبه به قد استعير ونقل عما يناسبه، واستعمل مع ما شبه
(١) وقبله: سألتها حين زارت نضو برقعها القاني وإيداع سمعي أطيب الخبز ومساقطه الحديث أن يتكلم واحد ويسكت الآخر، ثم يتكلم الساكت، وهكذا دواليك.
(٢) سورة الإسراء الآية ٢٤.
(٣) سورة الشعراء الآية ٢١٥.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٧.