المبحث السادس عشر في تقسيمها إلى مرشحة ومجردة ومطلقة
  فقد استعار الرداء للمعروف، لأنه يصون عرضه كما يصون الرداء ما يلقى عليه من مكروه والقرينة تتمة البيت، ثم وصفه بالغمر الذي هو وصف للمعروف لا للرداء على سبيل التجريد.
  ٣ - والمطلقة هي التي لم تقترن بصفة معنوية ولا تفريغ يلائم أحد الطرفين، والفرق بينهما أن الملائم إن كان من تتمة الكلام الذي فيه الاستعارة فهو الصفة، كما في قوله: تبسم ضاحكا، وإن كان كلاما مستقلا جيء به بعد تمام الاستعارة وبني عليها فهو التفريغ، نحو: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ}(١)، بعد قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى}(٢).
  (تنبيهات) أولها أنه اذا اجتمع الترشيح والتجريد كانت الاستعارة في حكم المطلقة كقول زهير:
  لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم
  فشاكي السلاح هو حادة تجريد، لأنه يناسب المشبه وهو الشجاع، والمقذف إن أريد به في الوقائع والحروب كان تجريدا أيضا، وإن أريد به المرمى باللحم كناية عن عظم الجثة والضخامة، لم يكن لا تجريدا ولا ترشيحا لأنه يلائم كلا منهما، وله لبد وهي الشعر المتراكم بين كتفي الأسد ترشيح، وكذلك أظفاره لم تقلم لأن الأسد الحقيقي هو الذي ليس من شأنه تقليم الأظفار، والقرينة كلمة لدى، أو القرينة حالية، ولدى تجريد إذ التجريد أو الترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة بقرينتها، ولذا لا تسمى قرينة الاستعارة التصريحية تجريدا ولا قرينة المكنية ترشيحا.
  (ثانيها): الترشيح أبلغ(٣) وأقوى من الإطلاق والتجريد، لاشتماله على تقوية المبالغة وكمالها، فإن المحور الذي يدور عليه الترشيح إنما هو تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه هو المشبه به نفسه، وكأن الاستعارة غير موجودة، ألا ترى أن الناثر أو الشاعر يجدّ في إنكارها، ويخيل الى السامع أن الأمر على ما يقول حقيقة، ومن ثم وضع أبو تمام كلامه في علو المنزلة والرقي في خلال الشرف وضعه في علو المكان حين يقول:
(١ و ٢) سورة البقرة الآية ١٦.
(٣) الأبلغ في الحقيقة هو الكلام المشتمل على الترشيح لا الترشيح نفسه.