علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث السابع عشر في حسن الاستعارة وقبحها

صفحة 281 - الجزء 1

أسرار البلاغة في الاستعارة

  الاستعارة بجميع ضروبها وتعدد مذاهبها وشعوبها، أعلى مرتبة من التشبيه، وأقوى في المبالغة منه، لما فيها من تناسي التشبيه، وادعاء الاتحاد بين المشبه والمشبه به، كأنهما شيء واحد، يطلق عليهما لفظ واحد، انظر الى قول المتنبي:

  ترنو إليّ بعين الظبي مجهشة ... وتمسح الطل فوق الورد بالعنم⁣(⁣١)

  تره وقد تمثلت له محبوبته ظبية تنظر اليه وهي حيرى تمسح طلا فوق خدها بأصابعها وهي كالعنم لينا وحمرة، واختبأ عن عينيه مظهر التشبيه، وظهر له ذلك بمظهر الحقيقة، ورأيته وقد سما به الخيال فرأى الطلّ يسقط على الورد، فهل يؤدي التشبيه مثل هذا؟ وهل تصل فيه المبالغة الى ما تصل اليه الاستعارة؟ فهبه قال: تمسح الدموع التي تشبه الطلّ والخدود التي هي كالورد والأصابع التي تشبه العنم، أتراه يصل الى مثل ما قال؟ إنك لتحس بأن هذا أدنى من المعنى المجازي وأقل منه مبالغة، فإن في التشبيه جمعا بين المشبه والمشبه به، وهذا إقرار بأنهما متقاربان، وتأمل قول أبي الحسن التهامي:

  يا كوكبا ما كان أقصر عمره ... وكذاك عمر كواكب الأسحار

  يتبين لك فيه صورة النجوم وقد أفلت بعد طلوعها، وكواكب الأسحار وقد غادرت بعد ظهورها.

  وقد استعمل العرب الاستعارة في كلامهم تقريبا للمعنى الى ذهن السامع، واستثارة لخياله واختلابا للبه، ليقنع بما يقال له ويلقى في روعه.

تدريب أول

  اجعل التشبيهات الآتية استعارة مصرحة أو مكنية مع بيان القرينة:

  ١ - استذكرت كتابا كالصديق في المؤانسة.

  ٢ - اللسان كالسيف في الإيذاء.

  ٣ - انتثرت في السماء نجوم كالدرر.

  ٤ - في البحر سفن كالجبال في العلو.


(١) العنم: شجر لين الأغصان، تشبه به الأصابع.