المبحث الثاني في أقسامها من حيث المكنى عنه
  وهذا من بديع الكناية، أم خفية يتوقف الانتقال منها الى اللازم على التأمل وإعمال الرؤية، كقولهم كناية عن الأبله هو عريض القفا، إذ يزعمون أن عرض القفا وعظم الرأس اذا أفرطا دلا على الغباوة، أو ما ترى، الى قول طرفة:
  أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد
  (ب) بعيدة، وهي ما ينتقل منها الى المطلوب بها بواسطة كقولهم في الكناية عن المضياف: هو كثير الرماد، فإنه ينتقل الذهن من كثرة الرماد الى كثرة الطبائخ، ومنها الى كثرة الرماد، ومنها الى كثرة الضيفان، ثم الى المضيافة، وهي المقصودة، ونظيره قول الآخر:
  وما يك في من عيب فإني ... جبان الكلب مهزول الفصيل
  فإن الذهن ينتقل من جبن الكلب عن الهرير في وجه من يقصد دارا هو مقيم على حراستها والعس دونها، مع أن ذلك ليس من طبعه، الى أنه قد دام زجره وتأديبه حتى تغير عن مجرى عادته، ثم الى استمرار موجب نباحه وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه، ومن ذا الى كونه ملجأ للقاصي وللداني، ومن ذا الى أنه مشهور بحسن قرى الأضياف.
  وكذا ينتقل من هزال الفصيل الى فقد الأم، ومن ذا الى قوة الداعي الى نحرها مع كمال عنايتهم بالنوق، خصوصا المثالي(١) منها، ومن هذا الى صرفها الى الطبائخ، ومن ذا الى أنه مضياف.
  ٢ - كناية، يطلب بها موصوف، نحو قولك كناية عن الأسد: قتلت ملك الوحوش، وشرطها الاختصاص بالمكنى عنه ليحصل الانتقال منها اليه، وهي ضربان:
  (أ) ما هي معنى واحد بأن يتفق في صفة اختصاصها بموصوف معين فتذكر تلك الصفة ليتوصل بها الى ذلك الموصوف كمجامع الأضغان كناية عن القلوب في قوله:
  الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان(٢)
(١) المتالي من أتلت الناقة اذا تلاها ولدها.
(٢) الضاربين منصوب على المدح وكذا الطاعنين، والأبيض: السيف، والمخذم: القاطع.