علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

خاتمة

صفحة 380 - الجزء 1

  الالتئام، كأنهما أفرغا في قالب واحد، وذلك يحرك من نشاط السامعين ويعين على إصغائهم، وأحسنه ما تهيأ للناظم في بيت واحد كقول مسلم بن الوليد يمدح يحيى البرمكي:

  أجدك ما تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قرونك ينشر

  سريت بها حتى تجلت بغرّة ... كغرة يحيى حين يذكر جعفر⁣(⁣١)

  ويليه ما جاء في بيتين كقول المتنبي يمدح المغيث بن علي العجلي:

  مرّت بنا بين تربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا

  فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ... ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا⁣(⁣٢)

  وأكثر الناس ولوعا بهذا النوع أبو الطيب، ولأجله يسقط سقوطا قبيحا، كقوله:

  ها فانظري أو فظني بي ترى حرقا ... من لم يذق طرفا منها فقد وألا

  على الأمير يرى ذلي فيشفع لي ... إلى التي ترتكتني في الهوى مثلا⁣(⁣٣)

  فقد تمنى أن يكون الأمير قوادا له.

  والمتأخرون كلهم على الجملة فلما يفوتهم سلوك هذه الطريق، أما العرب فما كانوا يذهبون هذا المذهب في الخروج من المديح، بل يقولون عند فراغهم من نعت الإبل وذكر القفار وما هم بسبيله: دع ذا، وعد عن ذا، ثم يأخذون فيما يريدون، ويسمى هذا اقتضابا، كقوله:

  فدع ذا وسل الهم عنك بجسرة ... ذمول إذا صام النهار وهجرا⁣(⁣٤)

  أو يأتون بأن المشددة ابتداء للكلام الذي يقصدونه، وكثيرا ما كان البحتري يسلك هذه الطريقة كقوله:


(١) أجدك (بكسر الجيم وفتحها) لا يتكلم به إلا مضافا، والمعنى: أيجد منك هذا، فنصبه على طرح الباء، فاذا سبق بالواو فقيل: وجدك، فهو مفتوح الجيم ليس غير.

(٢) الترب واللدة المساوي في السن، والشادن: الظبي اذا شدت قرنه وقوي، واستضحكت: ضحكت، والثري مأسدة مشهورة.

(٣) الحرق جمع حرقة ما يجده الانسان من لذعة حب أو حزن، ووأل نجا.

(٤) الجسرة الطوية الضخمة من النوق، والذمول التي تسير ذميلا أي حثيثا، وصام النهار قام قائم الظهيرة واعتدل.