المبحث الخامس في الجملة الاسمية والفعلية
  (١) اسمية وتفيد بأصل وضعها ثبوت الحكم فحسب، بلا نظر الى تجدد ولا استمرار، فلا يستفاد من قولنا: علي مسافر، سوى ثبوت السفر فعلا لعلي دون نظر الى تجدد ولا حدوث، فالمعنى فيه شبيه بالمعنى في قولنا: محمد طويل ومحمود قصير، فكما لا يقصدها هنا الى أن يجعل الطول والقصر يتجدد ويحدث، بل يقصد إيجابهما وثبوتهما فقط، كذلك لا يتعرض في قولنا: علي مسافر لأكثر من إثبات السفر فعلا لعلي.
  ولكن قد تحف بها قرائن أخرى تستفاد من سياق الكلام، كأن يكون في معرض مدح أو ذم أو حكمة، أو نحو ذلك، فتفيد الدوام والاستمرار حينئذ، وعليه قول النضر بن جويرية يتمدح بالغنى والكرم:
  لا يألف الدرهم المضروب صرّتنا ... لكن يمر عليها وهو منطلق(١)
  فهو يريد أن دراهمهم دائمة الانطلاق تمرق من الكيس مروق السهام من قسيها لتوزع على المعوزين وأرباب الحاجات، كما يرشد الى ذلك ما قبله:
  إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ... ظلت الى طرق المعروف تستبق
  ونظيره قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(٢)، فسياق الحديث في معرض المدح دال على إفادة الاستمرار والدوام.
  (٢) فعلية، وتدل بأصل وضعها على التجدد في زمن معين مع الاختصار، فلا يستفاد من نحو: طلعت الشمس، إلا إثبات الطلوع فعلا للشمس في زمن مضى.
  تفسير هذا أن الفعل يدل على أحد الأزمنة الثلاثة بذاته لا بقرينة(٣) خارجة عنه، وهذا الزمن الذي هو أحد مدلوليه (مدلوله الثاني الحدث) لا تجتمع أجزاؤه في الخارج، بل تتصرم وتنقضي شيئا فشيئا، ومن ثم كان الفعل مع إفادته الزمن يفيد أيضا تجدد الحدث وحصوله بعد أن لم يكن، بخلاف الاسم، فإنه إنما يدل على الزمن المعين بقرينة أخرى، كأن يقال: أمس أو الآن أو غدا.
(١) الصرة كيس الدراهم.
(٢) سورة القلم.
(٣) أما احتياج الفعل المضارع الى قرينة في تعيين الحال أو الاستقبال فهو تعيين للمراد لا تعيين للزمن لأنه دال عليه بالوضع.