الباب الرابع في الحذف وفيه أربعة مباحث
  (ب) ألا يجعل كناية عن مفعول مخصوص، بل يقصد إثبات المعنى في نفسه من غير تعرض لمفعول كقولهم: فلان يحل ويعقد ويأمر وينهي ويضر وينفع، فالمقصود أن له حلا وعقدا وأمرا ونهيا وضرا ونفعا، وعليه قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(١)، فالمعنى: هل يستوي من له علم ومن لا علم له، وقوله عز اسمه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا}(٢).
  ٢ - أن يكون الغرض إفادة تعلقه بمفعول، ويجب تقديره بحسب القرائن، ويحذف حينئذ لداع من الدواعي الآتية، وهي:
  ١ - البيان بعد الإبهام ليكون أوقع في النفس كما فعل في المشيئة اذا لم يكن في تعلقه بمفعوله غرابة، فتقول: لو شئت جئت ولو شئت لم أجيء، علم السامع أن هاهنا شيئا تعلقت المشيئة بوجوده أو عدمه، فإذا قلت: جئت أو لم أجيء عرف ذلك الشيء، ومن هذا الباب قوله تعالى: {فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ}(٣)، وقول البحتري:
  لو شئت لم تفسد سماحة حاتم ... كرما ولم تهدم مآثر خالد
  فإن كان تعلق الفعل به غرابة ذكر المفعول ليتقرر في نفس السامع ويأنس به كما يقول الرجل مخبرا عن عزه: لو شثت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته، وعليه قوله تعالى: {لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ}(٤)، وقول إسحاق الخزيمي يرثي حفيده:
  ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
  لأنه لما كان من البدع العجيب أن يقابل أحد الخليفة كل يوم، وأن يريد رب العالمين ولدا، وأن يشاء الإنسان بكاء الدم صرح فيها بذكر المفعول.
  ٢ - دفع توهم الساهم من أول وهلة إرادة شيء غير ما هو مراد، كقول البحتري يذكر ذود الممدوح ومساعدته إياه:
(١) سورة الزمر الآية ٩.
(٢) سورة النجم الآية ٤٣.
(٣) سورة الأنعام الآية ١٤٩.
(٤) سورة الزمر الآية ٤.