علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث السادس في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى تمثيل وغيره

صفحة 226 - الجزء 1

  فوجه الشبه هيئة مأخوذة من أشياء بيضاء مستديرة لامعة في وسط شيء أسود، وكقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ}⁣(⁣١) فقد شبهت حال المنافقين بحال من استوقد نارا الى آخر هذه الآية، بجامع الطمع في حصول شيء بوشرت أسبابه وهيئت وسائله، ثم تلا ذلك الحرمان والخيبة لانقلاب الأسباب وتقويض أركانها رأسا الى عقب، وغير التمثيل ما كان بخلاف ذلك، نحو: فلان كالسيف في المضاء.

الفرق بين التشبيه والتمثيل

  التشبيه أعم من التمثيل، فكل تمثيل تشبيه دون عكس إذ التمثيل مختص بما كان وجه الشبه فيه منتزعا من متعدد.

  وللتمثيل موقعان:

  ١ - أن يكون في مفتتح الكلام فيكون قياسا موضحا وبرهانا مصاحبا، وهو كثير جدا في القرآن الكريم نحو: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}⁣(⁣٢).

  ٢ - ما يجيء بعد تمام المعاني لإيضاحها وتقريرها فيشبه البرهان الذي تثبت به الدعوى، كقول أبي العتاهية:

  ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس

تأثير التمثيل في النفس

  إذا وقع التمثيل في صدر القول بعث المعنى الى النفس بوضوح وجلاء مؤيدا بالبرهان، واذا أتى بعد استيفاء المعاني كان:

  ١ - إما دليلا على إمكانها، كقول المتنبي:

  وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام

  ٢ - أو تأييدا للمعنى الثابت، كقوله:

  ونار لو نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد


(١) سورة البقرة الآية ١٧.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٦١.