مقدمة
  وسلامة النظر ودقة الذوق في تنسيق المعاني وحسن ترتيبها، فإذا تم له ذلك عمد إلى الألفاظ الواضحة المؤثرة الملائمة، فألف بينها تأليفا يكسبها جمالا وقوّة، فالبلاغة ليست في اللفظ وحده، وليست في المعنى وحده، ولكنها أثر لازم لسلامة تأليف هذين وحسن انسجامهما.
  * * *
  بعد هذا يحسن بك أن تعرف شيئا عن الأسلوب الذي هو المعنى المصوغ في ألفاظ مؤلفة على صورة تكون أقرب لنيل الغرض المقصود من الكلام وأفعل في نفوس سامعيه، وأنواع الأساليب ثلاثة:
  (١) الأسلوب العلمي: وهو أهدأ الأساليب، وأكثرها احتياجا إلى المنطق السليم والفكر المستقيم، وأبعدها عن الخيال الشّعرىّ، لأنه يخاطب العقل، ويناجى الفكر ويشرح الحقائق العلمية التي لا تخلو من غموض وخفاء، وأظهر ميزات هذا الأسلوب الوضوح. ولا بد أن يبدو فيه أثر القوة والجمال، وقوته في سطوع بيانه ورصانة حججه، وجماله في سهولة عباراته، وسلامة الذوق في اختيار كلماته، وحسن تقريره المعنى في الأفهام من أقرب وجوه الكلام.
  فيجب أن يعنى فيه باختيار الألفاظ الواضحة الصريحة في معناها الخالية من الاشتراك، وأن تؤلّف هذه الألفاظ في سهولة وجلاء، حتى تكون ثوبا شفّا للمعنى المقصود، وحتى لا تصبح مثارا للظنون، ومجالا للتوجيه والتأويل.
  ويحسن التنّحى عن المجاز ومحسّنات البديع في هذا الأسلوب؛ إلّا ما يجئ من ذلك عفوا من غير أن يمسّ أصلا من أصوله أو ميزة من ميزاته. أما التشبيه الذي يقصد به تقريب الحقائق إلى الأفهام وتوضيحها بذكر مماثلها، فهو في هذا الأسلوب حسن مقبول.
  ولسنا في حاجة إلى أن نلقى عليك أمثلة لهذا النوع، فكتب الدراسة