البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

التشبيه

صفحة 66 - الجزء 1

  التشبيهات أثر للبلاغة؛ لظهور المشابهة وعدم احتياج العثور عليها إلى براعة وجهد أدبىّ، ولخلوها من الخيال.

  وهذا الضرب من التشبيه يقصد به البيان والإيضاح وتقريب الشئ إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.

  ولكنك تأخذك روعة التشبيه حينما تسمع قول المعرى يصف نجما:

  يسرع اللّمح في احمرار كما تس ... رع في اللمح مقلة الغضبان⁣(⁣١)

  فإن تشبيه لمحات النجم وتألقه مع احمرار ضوئه بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة التي لا تنقاد إلا لأديب. ومن ذلك قول الشاعر:

  وكأنّ النّجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهنّ ابتداع

  فإن جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالة النجوم في رقعة الليل بحال السنن الدينية الصحيحة متفرقة بين البدع الباطلة.

  ولهذا التشبيه رؤعة أخرى جاءت من أن الشاعر تخيّل أن السنن مضيئة لمّاعة، وأن البدع مظلمة قاتمة.

  ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي:

  بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيح ضاع في التّرب خاتمه

  يدعو على نفسه بالبلى والفناء إذا هو لم يقف بالأطلال ليذكر عهد من كانوا بها، ثم أراد أن يصوّر لك هيئة وقوفه فقال: كما يقف شحيح فقد خاتمه في التراب؛ من كان يوفق إلى تصوير حال الذاهل المتحير المحزون المطرق برأسه المنتقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة بحال


(١) لمح البرق والنجم: لمعانهما، ولمح البصر: اختلاس النظر.