البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

مقدمة

صفحة 7 - الجزء 1

  كان هذا الكلام غير فصيح لضعف تأليفه، إذ أصله «ما قرأ محمد مع أخيه إلا كتابا واحدا»، فقدّمت الصفة على الموصوف، وفصل بين المتلازمين، وهما أداة الاستثناء والمستثنى، والمضاف والمضاف إليه. ويشبه ذلك قول أبى الطّيب المتنبي⁣(⁣١):

  أنّى يكون أبا البريّة آدم ... وأبوك والثّقلان أنت محمّد؟⁣(⁣٢)

  والوضع الصحيح أن يقول: كيف يكون آدم أبا البرية، وأبوك محمد، وأنت الثقلان؟ يعنى أنه قد جمع ما في الخليقة من الفضل والكمال، فقد فصل بين المبتدأ والخبر وهما «أبوك محمد»، وقدّم الخبر على المبتدأ تقديما قد يدعو إلى اللبس في قوله «والثقلان أنت»، على أنه بعد التعسف لم يسلم كلامه من سخف وهذر.

  (٤) ويجب أن يسلم التركيب من التعقيد المعنوي، وهو أن يعمد المتكلم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات في غير معانيها الحقيقية، فيسئ اختيار الكلمات للمعنى الذي يريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع. مثال ذلك أن كلمة اللسان تطلق أحيانا ويراد بها اللغة، قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ} أي ناطقا بلغة قومه، وهذا استعمال صحيح فصيح، فإذا استعمل إنسان هذه الكلمة في الجاسوس، وقال: «بثّ الحاكم ألسنته في المدينة» كان مخطئا، وكان في كلامه تعقيد معنوي، ومن ذلك قول امرئ القيس⁣(⁣٣) في وصف فرس:

  وأركب في الرّوع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر⁣(⁣٤)


(١) أبو الطيب المتنبي هو أحمد بن الحسين الشاعر الطائر الصيت، كان من المطلعين على غريب اللغة، وشعره غاية في الجودة، يمتاز بالحكمة وضرب الأمثال وشرح أسرار النفوس، ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة سنة ٣٠٣ هـ، وتوفى سنة ٣٥٤ هـ.

(٢) الثقلان:

الإنس والجن، والبيت من قصيدة طويلة في مدح شجاع بن محمد الطائي.

(٣) هو رأس شعراء الجاهلية وقائدهم إلى الافتنان في أبواب الشعر وضروبه، ولد سنة ١٣٠ ق هـ، وآباؤه من أشراف كندة وملوكها، وتوفى سنة ٨٠ ق هـ، وله المعلقة المشهورة.

(٤) الروع: الفزع، والسعف جمع سعفة: وهي غصن النخل.