مقدمة
  الخيفانة في الأصل الجرادة، ويريد بها هنا الفرس الخفيفة، وهذا لا بأس به وإن كان تشبيه الفرس بالجرادة لا يخلو من ضعف، أما وصف هذه الفرس بأن شعر ناصيتها طويل كسعف النخل يغطّى وجهها، فغير مقبول؛ لأن المعروف عند العرب أن شعر الناصية إذا غطّى العينين لم تكن الفرس كريمة ولم تكن خفيفة. ومن التعقيد المعنوي قول أبى تمّام(١):
  جذبت نداه غدوة السّبت جذبة ... فخرّ صريعا بين أيدي القصائد(٢)
  فإنه ما سكت حتى جعل كرم ممدوحه يخرّ صريعا وهذا من أقبح الكلام.
  * * *
  أما البلاغة فهي تأدية المعنى الجليل واضحا بعبارة صحيحة فصيحة، لها في النفس أثر خلاب، مع ملاءمة كلّ كلام للموطن الذي يقال فيه، والأشخاص الذين يخاطبون.
  فليست البلاغة قبل كل شئ إلّا فنّا من الفنون يعتمد على صفاء الاستعداد الفطري ودقة إدراك الجمال، وتبين الفروق الخفية بين صنوف الأساليب، وللمرانة يد لا تجحد في تكوين الذوق الفنّى، وتنشيط المواهب الفاترة، ولا بد للطالب إلى جانب ذلك من قراءة طرائف الأدب، والتّملؤ من نميره الفياض، ونقد الآثار الأدبية والموازنة بينها، وأن يكون له من الثقة بنفسه ما يدفعه إلى الحكم بحسن ما يراه حسنا وبقبح ما يعدّه قبيحا.
  وليس هناك من فرق بين البليغ والرّسام إلا أنّ هذا يتناول المسموع من الكلام، وذلك يشاكل بين المرئى من الألوان والأشكال، أما في غير ذلك فهما سواء، فالرّسام إذا همّ برسم صورة فكّر في الألوان الملائمة لها، ثم في
(١) أبو تمام: هو حبيب بن أوس الطائي الشاعر المشهور. كان واحد عصره في الغوص وراء المعاني وفصاحة الشعر وكثرة المحفوظ، وتوفى بالموصل سنة ٢٣١ هـ.
(٢) الندى: الجود. وخر صريعا: سقط على الأرض.