كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 127 - الجزء 1

  نحو قولهم: زيد قائم أبوه. ومررت برجل قائم أبوه. ومررت بزيد قائما أبوه. وجاءني الذي قائم أبوه. وأقائم أخواك؟ وما قائم زيد قال الله تعالى: {إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ}⁣(⁣١). ف: (ما أصابهم) مبتدأ عند سيبويه. ومصيبها: خبره. وعند الأخفش: ما أصابهم: رفع ب (مصيبها). ومصيبها: مبتدأ، وما ارتفع به يسد مسد الخبر. ويحتج لأبي الحسن، بقوله تعالى: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ}⁣(⁣٢) [٣٤ / ب] فعاليهم: مبتدأ، عنده. وثياب سندس: مرتفع به. ولو كان ثياب سندس، مبتدأ، وعاليهم خبره، لم يجز، لأن عاليهم مفرد، فلا يكون خبرا للجمع وليس له حجة في الآية، لأن (عاليهم) ليس بمبتدأ، وإنما هو صفة لقوله: {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ}⁣(⁣٣) (عاليهم ثياب) أي: يعلوهم. واسم الفاعل، إذا كان صفة، رفع ما بعده. قال الله تعالى: {شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ}⁣(⁣٤).

  قالوا: إنه رفع بمختلف، ولا خلاف في ذلك. فثياب مرتفع بعاليهم، لأنه وصف، كما يرتفع به فيمن نصب (عاليهم) على الحال، لأنه يرفع في الحالتين جميعا. وقد ذكر أبو علي⁣(⁣٥): أن (عاليهم): اسم فاعل، فهو كقوله: {سامِراً تَهْجُرُونَ}⁣(⁣٦). فأفرد في موضع الجمع، فيكون على هذا ثياب سندس: مبتدأ، وعاليهم: خبرا له. وهو في معنى الجمع.

  [قال أبو الفتح]: واعلم أن المبتدأ، قد يحذف تارة، ويحذف الخبر أخرى، وذلك إذا كان في الكلام دليل على المحذوف، إلى آخر الباب.

  اعلم بهذا الكلام أن حذف المبتدأ جائز، كما أن حذف الخبر، كذلك. فمما جاء في التنزيل، قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}⁣(⁣٧). تقديره: فصبري صبر جميل. أو فشأني صبر جميل. وإن شئت كان التقدير: فصبر جميل أمثل من غيره. وكذلك قوله: {قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}⁣(⁣٨).

  وقوله، في الأخرى: {فَأَوْلى لَهُمْ ٢٠ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}⁣(⁣٩). ذانك على ذينك التقديرين.

  إن شئت: أمرنا طاعة، وقول معروف. وإن شئت: طاعة، وقول معروف أمثل من غيرهما.


(١) ١١: سورة هود ٨١.

لم أقف على هذه الآية في: الكتاب، ومعاني القرآن - للأخفش، وقد ذكرها الشارح من باب التمثيل للقاعدة.

(٢) ٧٦: سورة الإنسان ٢١.

وهذا بناءا على قراءة: نافع، وحمزة، وعاصم، وأبي جعفر، وشيبة، وابن محيصن، والحسن، وابن عباس، والأعرج، وأبان، والمفضل. معاني القرآن - للفراء ٣: ٢١٩، وتفسير الطبري ٢٩: ١٣٧، والسبعة ٦٦٤، والتيسير ٢١٨، وتفسير التبيان ١٠: ٢١٦، ومجمع البيان ١٠: ٤٠٨، وتفسير الرازي ٣٠: ٢٥٢، وتفسير القرطبي ١٩: ١٤٥، والبحر المحيط ٨: ٢٩٩، والنشر ٢: ٣٩٦، وإتحاف الفضلاء ٤٢٩.

(٣) ٧٦: سورة الإنسان ١٩.

(٤) ١٦: سورة النحل ٦٩.

(٥) مجمع البيان ١٠: ٤٠٩.

(٦) ٢٣: سورة المؤمنون ٦٧.

(٧) ١٢: سورة يوسف ١٨، ٨٣.

(٨) ٢٤: سورة النور ٥٣.

(٩) ٤٧: سورة محمد (عليه الصلاة والسّلام) ٢٠ - ٢١.