كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الفاعل

صفحة 129 - الجزء 1

  الصاد، والطاء اللذين هما لاما الفعل. وإنما يكون ذلك في كلمة، نحو: الصراط، والصويق، فعلمت ما قلنا. ومن ذلك: أنهم قالوا: قامت هند، فأنثوا الفعل، لما كان الفاعل مؤنثا، لأنه أحد أجزاء الفعل. ومن ذلك: ما ذهب إليه أبو عثمان المازني، في قوله تعالى: [٣٥ / ب]: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ}⁣(⁣١) وفي قول [امرئ القيس]:

  ٧٦ - قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ... (⁣٢)

  من أن المعنى: ألق ألق⁣(⁣٣)، وقف قف. فاستغنى بتثنية الفاعل، عن تكرار الفعل، لأن الفاعل جزء من أجزاء الفعل، فإذا ثني الفاعل، فكأنه كرر الفعل، ومن ذلك، أنهم [قالوا]:

  ٧٧ - فأصبحت كنتيّا، وأصبحت عاجنا ... وشرّ خصال المرء: كنت، وعاجن⁣(⁣٤)

  فنسبوا إلى الفعل، والفاعل جميعا. وحقهم، إذا نسبوا إلى الجمل أن يحذفوا جزءا منها، فيقولوا في: تأبط شرا: تأبطيا، فلما قالوا: كنتيا، ولم يحذفوا الفاعل، علم أن الفاعل كأحد أجزاء الفعل. ومن ذلك: أنهم، قالوا: حبذا زيد. فحبذا: مبتدأ، فيما زعموا. وزيد: في موضع خبره.

  والفعل لا يكون مبتدأ، ولكن لما صيّر مع ذا كالشيء الواحد، لما كان ذا: هو الفاعل، جاز أن يكون مبتدأ تبعا للفاعل. فعلم أن الفاعل أحد أجزاء الفعل، والفعل أحد أجزاء الفاعل. ومن ذلك: أنهم قالوا: لا أحبّذه، فاشتقوا من (حبذا)، من غير إطراح الفاعل. فعلم أن الفاعل كأحد أجزاء الفعل. ومن ذلك: أنهم قالوا: زيد، ظننت، قائم. فألغوا ظننت. والمقصود إلغاء الفعل، ثم ألغي الفاعل تبعا للفعل. فعلم أنه كأحد أجزائه، حيث لم يفصل منه. ومن ذلك: أنهم استقبحوا: قمت وزيد، فيعطفون زيدا على التاء، لما كان كأحد أجزاء الفعل وكأنهم لو عطفوا على الفاء كانوا عطفوا على الفعل فلم يعطفوا، حتى أكدوا فقالوا: قمت أنا وزيد. فهذه عشرة أدلة، فافهمها.

  فتبين بهذه الأدلة أن الفاعل بمنزلة جزء من الفعل، فينبغي أن لا يقدّم عليه. وإذا قلت: زيد قام.

  فزيد: مبتدأ، وليس بفاعل لامتناع تقديمه عليه. وإذا قلت: ما قام زيد. فزيد فاعل، ولم يحدث شيئا، لأن الفعل مقدم عليه مسند إليه.

  [قال أبو الفتح]: واعلم أن الفعل إذا خلا من الضمير، لم تأت فيه بعلامة تثنية، ولا جمع.

  تقول: قام أخوك، وقام أخواك، وقام إخوتك. كله بلفظ واحد، في (قام) لأنه لا ضمير فيه، وإنما


(١) ٥٠: سورة ق ٢٤.

(٢) البيت من الطويل، وعجزه:

... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

وهو في: ديوانه ١٤٣، والكتاب ٢: ٢٠٥، والتحصيل ٥٦١.

(٣) تفسير القرطبي ١٧: ١٦.

(٤) البيت من الطويل، بلا نسبة، في: شرح شافية ابن الحاجب ٢: ٧٧، وفيها:

وما أنا كنتي، وما أنا عاجن ... وشر الرجال: الكنتي، وعاجن

وابن يعيش ١: ١٤، ٦: ٧ (بروايتيه)، واللسان (عجن) ١٣: ٢٧٧، و (كون) ١٣: ٢٦٩ (بروايتين مختلفتين).