كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كان وأخواتها

صفحة 153 - الجزء 1

  بالكسر⁣(⁣١)، من قوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ٤ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ}⁣(⁣٢) إلى قوله: {آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}⁣(⁣٣) فجر قوله: (واختلاف) بالعطف على (خلقكم) ونصب (آيات) بالعطف على (آيات) كما أنّ {وَفِي خَلْقِكُمْ} معطوف على قوله {إِنَّ فِي السَّماواتِ} و (آيات) معطوفة على المنصوب ب (إنّ). ف (إنّ) و (في): عاملان مختلفان، فاستجاز العطف عليهما، فدل على جوازه [قال الشاعر]:

  ١١٥ - هوّن عليك فإنّ الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها

  فليس بآتيك منهيّها ... ولا قاصر عنك مأمورها⁣(⁣٤)

  فجرّ (قاصرا) بالعطف على (آتيك)، ورفع (مأمورها) بالعطف على (منهيها) والعاملان: الباء، وليس [وقال الفرزدق]:

  ١١٦ - وباشر راعيها الصّلا، بلبانه ... وكفّيه، حرّ النار، ما يتحرّف⁣(⁣٥)

  فجرّ و (كفيه) عطفا على المجرور بالباء. ونصب (حرّ النار) عطفا على المنصوب ب (باشر).

  فهما عاملان مختلفان. والأمر بخلاف ما زعم أبو الحسن، وذلك، لأنه لو جاز العطف على عاملين، لجاز العطف على عشرة عوامل. ولو جاز ذلك، لجاز على مئتين، وأكثر من ذلك، وهذا بين الفساد، لأن حرف العطف قائم مقام العامل، فيقوم مقام عامل واحد، ولا يبلغ من قوته أن يقوم مقام عاملين. فأما ما احتج به من الآي، والأبيات، فإنما جاز إضمار أحد العاملين فيها لجري ذكره. والشيء إذا جرى ذكره جاز إضماره ضرورة تصحيح اللفظ، والكلام. فقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ} فتقديره: أو لفي ضلال، فأضمر اللام لجري ذكره، على أن اللام ليست بعاملة [٤٧ / ب]: في اللفظ، وكلامنا في اللفظ، لا في المعنى. وأما قوله: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ} فتقديره: وفي اختلاف الليل. وأضمر، لأن قوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ} دل على ذلك. كما أن قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ}⁣(⁣٦) تقديره: فله أنّ له نار جهنم.

  فأضمر له بعد الفاء، لأنه مذكور في صلة (أنّ).


(١) وهم: حمزة، والكسائي، ويعقوب. تفسير الرازي ١: ٢٥٩، وتفسير القرطبي ١٦: ١٥٧، والنشر ٢: ٣٧١.

(٢) ٤٥: سورة الجاثية ٤، ٥.

(٣) ٤٥: سورة الجاثية ٥.

(٤) البيتان من المتقارب، للأعور الشني، في: الكتاب ١: ٦٤، والتحصيل ٨٣، والخزانة ٤: ١٣٦، ولابن أبي حازم في العقد ٣: ٢٠٧.

وبلا نسبة في: المغني ١: ١٤٦، ٢: ٤٨٧، ٥٣٢، وهمع الهوامع ٢: ١٣٠، ٤: ١٨٨.

(٥) البيت من الطويل، للفرزدق، في: ديوانه ٢: ١٢٠.

الصلا: التدفؤ، والاصطلاء. لبانه: صدره. يتحرف: يميل، وينحرف.

(٦) ٩: سورة التوبة ٦٣.