كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الثاني شرح اللمع، لجامع العلوم ومنهجه فيه:

صفحة 15 - الجزء 1

  اطردت عندهم إعرابا وتصريفا، واشتقاقا، فإذا وجدوا ما خرج على تلك القوانين عدوه شاذا⁣(⁣١)، وبحثوا عن علة، أو سبب لذلك.

  وقسم الزجاجي، صاحب أقدم كتاب وصل الينا في علل النحو، العلة النحوية على ثلاثة أقسام⁣(⁣٢):

  ١ - العلة التعليمية: وهي التي يتوصل بها إلى معرفة ما يلحق كل كلمة من الرفع، والنصب، والجر، والجزم، وعن العامل فيها تلك الأحوال، وسمى العلماء هذه العلل ب (العلل الأول)، وهي بحق عماد الاستقراء اللغوي، وأجل وسيلة لتعليم النحو، وتعلمه؛ لأن النحو، كما عرفه ابن جني هو: «انتحاء سمت كلام العرب، في تصرفه من إعراب وغيره ليلحق من ليس من أهل هذه اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها وإن لم يكن منهم»⁣(⁣٣).

  ٢ - العلل القياسية:

  وأما العلل القياسية، فهي أن يقال، مثلا: لم نصب (إن) زيدا، قال الزجاجي، فيقال: لأنها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول؛ فحملت عليه⁣(⁣٤).

  وقد أطلق ابن السراج على هذا النحو من العلل (علة العلة) أو (العلل الثواني)⁣(⁣٥). وأنكر ابن جني عليه ذلك، وعد ما مثل به شرحا وتتمة للعلة، وهو قوله: إذا سئلنا عن علة رفع الفاعل، قلنا: ارتفع بفعله، فإذا قيل: ولم صار الفاعل مرفوعا؟ فهذا سؤال عن علة العلة⁣(⁣٦). وأيد ابن مضاء القرطبي ابن جني في إنكارها؛ بل دعا إلى إلغائها، وقال: (إنها لا تفيدنا)⁣(⁣٧).

  ٣ - العلل الجدلية النظرية:

  وهي كل ما يعتل به بعد العلل التعليمية والقياسية، فما يعتل في باب (إن) كأن يقال: من أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟ وبأي الأفعال شبهتموها؟ أبالماضية أم المستقبلة أم الحادثة في الحال، أم المتراخية ..؟ إلى غير ذلك من السؤالات مما لا طائل تحته؛ وإنما هي من صنع


(١) الشاذ عندهم: هو ما فارق ما عليه بقية بابه، وانفرد عن ذلك إلى غيره، أي فارق القياس، وشذ عن الأصول؛ إذ جعل أهل علم العربية ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردا، وما خالف ذلك شاذا.

ينظر: الخصائص ١: ٩٦، ٩٧، والتاج (شذذ) ٩: ٢٤٢.

أما القراءة الشاذة في القرآن الكريم، فهي القراءة التي فقدت أحد الأوجه الثلاثة للقراءة الصحيحة، وهي: صحة السند، وموافقة العربية، وموافقة الرسم.

ينظر: النشر في القراءات العشر ١: ٩، وأثر القراءات القرآنية في الدراسات النحوية ٤٦، والقراءات القرآنية: تأريخ وتعريف ٥٩.

(٢) الإيضاح في علل النحو ٦٤.

(٣) الخصائص ١: ٣٤.

(٤) الإيضاح في علل النحو ٦٤.

(٥) الأصول ١: ٣٧، ٥٨.

(٦) الخصائص ١: ١٧٣، والاقتراح ٤٩.

(٧) الرد على النحاة ١٣١.