كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إن وأخواتها

صفحة 166 - الجزء 1

  رفع رسول.

  [الثالث]: أن يرتفع قوله: (ورسوله) بالابتداء. وخبره مضمر. أي: ورسوله بريء. وروي عن عباس⁣(⁣١)، عن أبي عمرو: (ورسوله) نصبا⁣(⁣٢) بالحمل على لفظة الله. وقد جوزوا الجر في: (رسوله) على أن يكون الواو واو القسم. وهذا كله، أعني الحمل على موضع: (أنّ، وإنّ، ولكنّ)، إنما يجوز إذا كان المعطوف بعد ذكر الخبر. فأما إذا كان قبل الخبر، فإنه لا يجوز. لا تقول: إن زيدا وعمرو قائمان، لأنك قد جئت ب (إنّ) وأعملته في المنصوب، ثم جئت بالمرفوع، حملا على الابتداء. فلا يجوز أن تشركهما في الخبر. لأن العاملين قد اختلفا. فلا يجوز من أجل ذا. فأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ}⁣(⁣٣). فليس (الصّابئون) محمولا على موضع (إنّ)، لأنه جاء قبل الخبر. ولكنه، كما قال سيبويه: إن التقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون كذلك⁣(⁣٤). فالصابئون مبتدأ، والخبر محذوف، ففصل به بين الاسم، والخبر. ومثله قول قائلهم:

  ١٣٥ - فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني، وقيّار، بها لغريب⁣(⁣٥)

  أي: فإني لغريب بها، وقيار كذلك. ففصل بين الاسم، والخبر كما ترى. وإذا جاز:

  ١٣٦ - ... ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه⁣(⁣٦)

  فما ظنك بهذا؟!. ولا فرق بين قولك: إن زيدا الظريف قائم، وبين قولك: إن زيدا قائم الظريف، في الحمل على الموضع، يجوز الرفع، والنصب في الصفة بخلاف الخبر، لأن الخبر اختلف عاملاه. أعني عاملي اسمهما. وأما قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (٤٨)⁣(⁣٧) فيقذف خبر. وعلام خبر آخر. ويجوز أن يكون صفة محمولة على موضع (إن). وقد روي


(١) هو: العباس بن الفضل، الأنصاري، البصري (ت ١٨٦ هـ). أخذ القراءة عن أبي عمرو بن العلاء، وقال فيه: لو لم يكن في أصحابي إلا عباس لكفاني. أخذ القراءة عنه حمزة بن القاسم، وعامر بن عمر الموصلي وغيرهما.

ينظر: غاية النهاية ١: ٣٥٣.

(٢) لم أقف على هذه القراءة لأبي عمرو، وإنما رويت عن: يعقوب، وابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وزيد بن علي، والحسن.

إعراب القرآن - للنحاس ٢: ٥، ومجمع البيان ٥: ٤، وتفسير الرازي ١٥: ٢٣١، وتفسير القرطبي ٨: ٧٠.

(٣) ٥: سورة المائدة ٦٩.

(٤) الكتاب ٢: ١٥٥، وفيه: (كأنه ابتدأ على قوله (والصابئون) بعد ما مضى الخبر).

(٥) البيت من الطويل، لضابئ بن الحارث البرجمي. في: الكتاب ١: ٧٥، والتحصيل ٩٢، ومعاني القرآن - للفراء ١: ٣١١، والإنصاف ١: ٩٤، وابن يعيش ٨: ٦٨، والخزانة ٩: ٣٢٦، ١٠: ٣١٢، ٣١٣، ٣٢٠.

وبلا نسبة في: المغني ٢: ٤٧٥، ٢٢٢، وهمع الهوامع ٥: ٢٩٠، ٢٩١، والتاج (قير) ١٣: ٥٠٠.

(٦) عجز بيت من الطويل، سبق ذكره رقم (٥٧).

(٧) ٣٤: سورة سبأ ٤٨.