باب إن وأخواتها
  رفع رسول.
  [الثالث]: أن يرتفع قوله: (ورسوله) بالابتداء. وخبره مضمر. أي: ورسوله بريء. وروي عن عباس(١)، عن أبي عمرو: (ورسوله) نصبا(٢) بالحمل على لفظة الله. وقد جوزوا الجر في: (رسوله) على أن يكون الواو واو القسم. وهذا كله، أعني الحمل على موضع: (أنّ، وإنّ، ولكنّ)، إنما يجوز إذا كان المعطوف بعد ذكر الخبر. فأما إذا كان قبل الخبر، فإنه لا يجوز. لا تقول: إن زيدا وعمرو قائمان، لأنك قد جئت ب (إنّ) وأعملته في المنصوب، ثم جئت بالمرفوع، حملا على الابتداء. فلا يجوز أن تشركهما في الخبر. لأن العاملين قد اختلفا. فلا يجوز من أجل ذا. فأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ}(٣). فليس (الصّابئون) محمولا على موضع (إنّ)، لأنه جاء قبل الخبر. ولكنه، كما قال سيبويه: إن التقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون كذلك(٤). فالصابئون مبتدأ، والخبر محذوف، ففصل به بين الاسم، والخبر. ومثله قول قائلهم:
  ١٣٥ - فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني، وقيّار، بها لغريب(٥)
  أي: فإني لغريب بها، وقيار كذلك. ففصل بين الاسم، والخبر كما ترى. وإذا جاز:
  ١٣٦ - ... ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه(٦)
  فما ظنك بهذا؟!. ولا فرق بين قولك: إن زيدا الظريف قائم، وبين قولك: إن زيدا قائم الظريف، في الحمل على الموضع، يجوز الرفع، والنصب في الصفة بخلاف الخبر، لأن الخبر اختلف عاملاه. أعني عاملي اسمهما. وأما قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (٤٨)(٧) فيقذف خبر. وعلام خبر آخر. ويجوز أن يكون صفة محمولة على موضع (إن). وقد روي
(١) هو: العباس بن الفضل، الأنصاري، البصري (ت ١٨٦ هـ). أخذ القراءة عن أبي عمرو بن العلاء، وقال فيه: لو لم يكن في أصحابي إلا عباس لكفاني. أخذ القراءة عنه حمزة بن القاسم، وعامر بن عمر الموصلي وغيرهما.
ينظر: غاية النهاية ١: ٣٥٣.
(٢) لم أقف على هذه القراءة لأبي عمرو، وإنما رويت عن: يعقوب، وابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وزيد بن علي، والحسن.
إعراب القرآن - للنحاس ٢: ٥، ومجمع البيان ٥: ٤، وتفسير الرازي ١٥: ٢٣١، وتفسير القرطبي ٨: ٧٠.
(٣) ٥: سورة المائدة ٦٩.
(٤) الكتاب ٢: ١٥٥، وفيه: (كأنه ابتدأ على قوله (والصابئون) بعد ما مضى الخبر).
(٥) البيت من الطويل، لضابئ بن الحارث البرجمي. في: الكتاب ١: ٧٥، والتحصيل ٩٢، ومعاني القرآن - للفراء ١: ٣١١، والإنصاف ١: ٩٤، وابن يعيش ٨: ٦٨، والخزانة ٩: ٣٢٦، ١٠: ٣١٢، ٣١٣، ٣٢٠.
وبلا نسبة في: المغني ٢: ٤٧٥، ٢٢٢، وهمع الهوامع ٥: ٢٩٠، ٢٩١، والتاج (قير) ١٣: ٥٠٠.
(٦) عجز بيت من الطويل، سبق ذكره رقم (٥٧).
(٧) ٣٤: سورة سبأ ٤٨.