كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ظرف المكان

صفحة 199 - الجزء 1

  وقولهم: ذهبت الشام. [وقول الشاعر]:

  ١٧٤ - ... ... .... كما عسل الطريق، الثّعلب⁣(⁣١)

  كل هذا محمول على حذف الجار عنده. أي: بمناط الثريا، وبمزجر الكلب، وبمقعد رابئ الضّرباء من الضّرباء.

  واعلم أن ظروف المكان، منها ما هو متمكّن متصرّف، يخبر عنه، ويرفع بالابتداء. تقول: خلفك واسع. بالابتداء، والخبر، لأنه متمكن. وأبو عمر⁣(⁣٢) لا يجيزه. أعني رفع خلفك. وقول لبيد حجّة عليه. [قال]:

  ١٧٥ - فغدت كلا الفرجين، تحسب أنّه ... مولى المخافة، خلفها، وأمامها⁣(⁣٣)

  فرفع قوله: خلفها، وأمامها، على أنه بدل من مولى المخافة، فصح ما قلنا.

  وتقول: داري خلف دارك فرسخين، وفرسخان؛ بالنصب والرفع. فالنصب على التمييز عندنا، وعلى الحال: عند المبرد. والتمييز أشبه؛ لأن الكلام مبهم. والرفع على تقدير: داري خلف دارك مسافة فرسخين أو بعد فرسخين. فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. ولو قلت:

  داري من خلف دارك فرسخين، وفرسخان جاز، فكان التقدير على الأول.

  وأبو عمر يأبى النصب إذا أدخلت (من) ولا يجيز إلا الرفع. فيقول: داري من خلف دارك فرسخان. قال: لأن الكلام ليس بتام عند قولك: داري من خلف دارك؛ وإنما يتم إذا قلت: فرسخان؛ فهو خبر.

  وأجمعوا على أنك لو قلت: أنت مني فرسخين، لم يجز ألا النصب ولا يجوز: أنت مني فرسخان. فقولهم: داري من خلف دارك عنده⁣(⁣٤)، بمنزلة: داري خلف دارك. ولا يفيد دخول (من) معنى لم يكن قبل دخوله، فلم منع النصب، والمعنى معنى واحد؟.

  وأما: أنت مني فرسخين؛ فقدّره سيبويه⁣(⁣٥): أنت مني ما دمنا نسير فرسخين. وفسر هذا الكلام فارسهم⁣(⁣٦)، وقال أنت مني معناه: أنت تلابسني، وتخالطني، كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ


(١) البيت من الكامل، لساعدة بن جؤية، الهذلي، وتمامه:

لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه

في: ديوان الهذليين ١: ١٩٠، وفيه: لذ بهز، والكتاب ١: ٣٦، ٢١٤، والتحصيل ٦٦، والمغني ١: ١١، ٢: ٥٢٥، ٥٧٦، والخزانة ٣: ٨٣، ٨٦.

(٢) وكذلك: الكوفيون، ويجيزه المبرد على ضعف. ينظر: المقتضب ٤: ٣٤١، والخزانة ١: ٤١٤، ٤١٥.

(٣) البيت من الكامل، للبيد، في: ديوانه ١٧٣، والمعلقات السبع ٢٢٢، والكتاب ١: ٤٠٧، والتحصيل ٢٣١، ومقاييس اللغة (أم) ١: ٢٩، واللسان (أمم) ١٢: ٢٦، و (كلا) ١٥: ٢٢٨، و (ولي) ١٥: ٤١٠.

وبلا نسبة في: المقتضب ٣: ١٠٢، والإيضاح ١: ٦٥٣، وشرح شذور الذهب ١٦١، وابن يعيش ٢: ٤٤، ١٢٩.

(٤) أي: عند سيبويه. الكتاب ١: ٤١٧.

(٥) الكتاب ١: ٤١٧.

(٦) أي: أبو علي، الفارسي.