كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التمييز

صفحة 210 - الجزء 1

  ألا ترى قول [الشاعر]:

  ١٨٨ - بواد من قسى، ذفر الخزامى ... تحنّ الجريباء به الحنينا⁣(⁣١)

  فنصب الحنين على المصدر، وهو معرفة.

  [قال أبو الفتح]: وأكثر ما يأتي بعد الأعداد، والمقادير. فالأعداد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين. نحو قولك: عندي أحد عشر رجلا، واثنا عشر غلاما، وثلاثون جارية، وخمسون درهما. قد ذكرنا أن انتصاب التمييز، إنما هو التشبيه بالمفعول. وذلك ظاهر في قولك: طاب زيد نفسا، وامتلأ [٧٦ / ب] الحوض ماءا، وهو الضرب الأول. وهذا الذي ذكره هو الضرب الثاني، ينتصب الاسم على التمييز، والتفسير بعد تمام المفسّر. وذلك ضروب منها: العدد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين. يكون الاسم بعد هذه الأعداد اسما نكرة، مفردا، منصوبا، نحو قولك: عشرون رجلا عندي، وثلاثون درهما. تنصبه على التمييز، لأن النون في (عشرين) تشبه النون في قولك: الضاربون. فكما تقول: هؤلاء الضاربون زيدا، بنصب (زيد) بعد النون، لأنه مفعول. فكذلك قولك: عشرون رجلا، منصوب على التمييز، لوقوعه بعد النون.

  فأما ما لا نون فيه، وهو: أحد عشر إلى تسعة عشر، فإن الاسم أيضا منصوب. لأن قولك: أحد عشر، في تقدير: أحد، وعشرة، فهو في تقدير التنوين، فكما تنصب: هذا ضارب زيدا، لأنه مفعول بعد التنوين، فكذا، هاهنا، لما كان الاسم، في تقدير التنوين، نصب على التشبيه بالمفعول به بعد التنوين. وهذا الاسم المنصوب، بعد هذه الأعداد، يكون مفردا، ولا يكون جمعا. تقول: عشرون درهما، ولا تقول: عشرون دراهم. لأن قولك: عشرون، قد بيّن لك ما أردت من الجمع.

  فجاز أن يكون المفرد بعده دالّا، على الجمع. فالمنصوب على التمييز، هاهنا، مفرد، لا يجوز فيه الجمع.

  فأما قولهم: هو خير منك عملا، وأفره منك عبدا، فإن انتصاب الاسم، هناك، على التمييز أيضا. ويجوز فيه المفرد، والمجموع. تقول: هو خير منك عملا وأعمالا.

  وهو أفره منك عبدا، وعبيدا. قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً} (١٠٢)، فجمع.

  والفرق بين هذا وبين العدد، هو أنك إذا قلت: هو أفره منك، لا يفهم من هذا اللفظ إلا المفرد.

  بخلاف (عشرين). فإن (عشرين) دال على الجمع. فلما كان كذلك، قلت: هو أفره منك عبيدا، إذا كان له عبيد، إذ لا يفهم من (أفره) إلا مفرد. وإذا قلت: هو أفره منك عبدا، دل على المفرد حقيقة، وعلى الجمع، لوضع المفرد موضع الجمع، مجازا، لا حقيقة. كما تقول: هو أول [٧٧ / أ] رجل. وقال الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ} يعني: الكافرين. فهذا مجاز هذا الكلام.

  ومن المنصوب على التمييز: المقادير. نحو: ما في السماء قدر راحة سحابا، وقفيزان برا، ورطلان سمنا. فالمنصوب على التمييز، هناك لوقوعه بعد النون، كما كان في (عشرين). وإذا أضفت الاسم إلى اسم، ثم جئت بعده باسم آخر، نصبته على التمييز. كقولك: على التمرة مثلها


(١) البيت من الوافر، لابن أحمر، في ديوانه: ١٥٩، واللسان (قسا) ١٥/ ١٨٢، والتاج (قسا) ١/ ٣٧٤.