كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الوصف

صفحة 247 - الجزء 1

  الموصوف، على سبيل الثناء، والمدح، والتعظيم، لا على جهة التخصيص، ولا على جهة التحلية.

  والصفة تتبع الموصوف في عشرة أشياء: في الرفع، والنصب، والجر، والتوحيد، والتثنية، والجمع، والتعريف، والتنكير، والتذكير، والتأنيث. فالمعرفة لا توصف بالنكرة، والنكرة لا توصف بالمعرفة. لأن الصفة جزء من الموصوف. ومن المحال أن يكون الاسم الواحد في حالة واحدة: معرفة، ونكرة، لأن الضدين لا يجتمعان.

  واختلفوا في العامل في الصفة. فقال سيبويه⁣(⁣١): العامل في الصفة: هو العامل في الموصوف.

  وزعم الأخفش: أن العامل في الصفة: كونه تابعا للموصوف. فالتبعية: هي العاملة، وإن كانت معنوية. واحتج في ذلك: بأن هذا، أعني التبعية، مؤكدة، في هذا الباب. لأنه جاء في التوابع، ما لا يلي العامل، وذلك، نحو: أجمعين، وأكتعين. فلا يجوز: جاءني أجمعون، فتوليه العامل. فعلم أنّ إعرابه، إنما هو: لكونه تبعا. ويحتج، أيضا، بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}⁣(⁣٢). [٩٦ / ب] أن الموت: اسم (إنّ). و {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ}: صفة له. وقوله: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}: هو الخبر. والفاء: زائدة. ولا أجعل الفاء غير زائدة، احتجاجا ب (أنّ) الذي، لما جرى وصفا على الموت، صار كالجزء منه، وصار كأنه اسم (إنّ). فجاءت الفاء، لأن الاسم تضمن معنى الشرط، والجزاء، كأنه قال: {إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}. هذا لا يجوز، بتة، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى. أما من جهة اللفظ، فإن الجزء الذي هو الشرط لازم لترتيب الجزاء عليه. والوصف غير لازم للموصوف، لأن الاسم يجوز أن يوصف، ويجوز أن لا يوصف. فإذا لم يلزم الوصف الاسم، لم يلزم إدخال الفاء، في خبر الاسم، لأن وصفه بما يوجب إدخال الفاء غير لازم، بخلاف الشرط. وأما من جهة المعنى، فإن ما كان شرطا، يجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون. والموت لاق: فروا أو لم يفروا. فإن، الفاء لم يلحق لمعنى الجزاء، ولا لمعنى العطف، فثبت أنها زائدة.

  وأما سيبويه، فإنه يجعل العامل في الصفة، هو العامل في الموصوف. ويحتج بالآية⁣(⁣٣). لأن الفاء دخلت، لمّا جرى الموصول على اسم (إنّ) فصار الموصول كأنه هو الاسم. لأن الصفة كالجزء من الموصوف، ولهذا يعتبر فيه التعريف، والتنكير، كما يعتبر في الموصوف. والجزاء صالح في الآية، رادا على من اعتقد أنّ فراره من الموت ينجيه. فقال: إنه لاق، وإن فررتم. وهذا [قول الشاعر]:

  ٢٤٤ - ومن هاب أسباب المنيّة، يلقها ... ولو رام أسباب السّماء بسلّم⁣(⁣٤)


(١) الكتاب ١: ٤٢١، وقد ذكر الشارح قول سيبويه بالمعنى، ونصه: " فقولك: مررت برجل ظريف قبل، فصار النعت مجرورا مثل المنعوت، لأنهما كالاسم الواحد".

(٢) ٦٢: سورة الجمعة ٨.

(٣) يعني آية: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} ٦٢: سورة الجمعة ٨.

(٤) البيت من الطويل، لزهير بن أبي سلمى، في: ديوانه ٢٣، والخصائص ٣: ٣٢٤، واللسان (سبب) ١: ٤٥٨.