باب التوكيد
  المؤكّد بها معارف، فلا تجري على النكرات.
  [فإن قلت]: فقد جاء:
  ٢٥١ - أرمي عليها، وهي فرع، أجمع ... ... (١)
  فأكد (فرعا) بقوله: أجمع، وهو نكرة.
  [الجواب]: أن قوله: أجمع تأكيد للضمير في (فرع) دون فرع. وهو تأكيد لمعرفة. فليس هذا بنقض.
  واعلم أن (كلّا) يلي العامل. و (أجمع) لا يلي العامل. تقول: جاءني كلّهم، ولا تقول: جاءني أجمعون، لأن (كلّا) أقوى منه. ومع ذلك، فهذا مستكره فيه، أيضا. وهو لفظ مفرد ومعناه: الجمع، فتوحد ضميره، مرة على اللفظ، وأخرى على المعنى. قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} (٩٣)(٢)، فوحد. وقال: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}(٣)، فجمع. فنظير (كل) في تأكيد الجمع (كلا) في تأكيد الاثنين، لأن (كلا) مفرد اللفظ، مثنى المعنى. تقول: جاءني الرجلان كلاهما. والدليل على أنه مفرد اللفظ /، أنّ مؤنثه (كلتا). وقد قال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها}(٤)، ولم يقل: آتتا. فعلمت أن لفظه مفرد. ألا ترى أنه لا يجوز: الزيدان قام. [قال الشاعر]:
  ٢٥٢ - كلا أخوينا ذو رجال كأنّهم ... أسود الشّرى من كلّ أغلب ضيغم(٥)
  ولم يقل: ذوا رجال. [وقال الآخر]:
  ٢٥٣ - كلاهما حين جدّ الجري بينهما ... قد أقلعا، وكلا أنفيهما رابي(٦)
  فثنى ضمير (كلا) حين قال: أقلعا.
  و (كلا) إذا أضيف إلى المظهر، كانت على حالة واحدة في: الرفع، والنصب، والجر. تقول: كلا أخويك جاء. ورأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك، فهو بمنزلة (معا). و «لكن](٧) إذا أضيف إلى المضمر، فإنك تقول: جاءني الرجلان كلاهما، ورأيتهما كليهما، ومررت بهما كليهما، فتقلب الألف ياءا، في موضع: النصب، والجر، لا لأن (كلا) تثنية، ولكن لأنه، لما لزم الإضافة،
(١) من الرجز، وبعده:
... وهي ثلاث اذرع وإصبع
وهو بلا نسبة في: الخصائص ٢: ٣٠٧، واللسان (ذرع) ٨: ٩٣، و (فرع) ٢٤٧، والخزانة ١: ٢١٤، والتاج (ذرع) ٢١: ٥.
(٢) ١٩: سورة مريم ٩٣.
(٣) ٢٧: سورة النمل ٨٧.
(٤) ١٨: سورة الكهف ٣٣.
(٥) البيت من الطويل، بلا نسبة في: الإنصاف ٢: ٤٤٢.
(٦) البيت من البسيط، للفرزدق، وليس في ديوانه، وهو بهذه النسبة في: الخصائص ٣: ٣١٤، والخزانة ١: ١٣١، ٤: ٢٩٩. وبلا نسبة في: ابن يعيش ١: ٥٤، والإنصاف ٢: ٢٤٧، والمغني ١: ٢٠٤.
(٧) الأصل غير واضح.