باب التوكيد
  ولم يفارقها، شبّهت ب (عليك) و (إليك) و (لديك) في قلب الألف ياءا. وجاء التشبيه في موضع النصب، والجر، دون الرفع، لأن (عليك) و (أختيها) لا يستعملن مرفوعة، فلم يجز الياء في موضع الرفع.
  والدليل [١٠١ / أ] على أنه مفرد في اللفظ، مثنى في المعنى، أنك تقول: مررت بهما كليهما، فتضيفه إلى التثنية. ولو كانت في اللفظ مثناة، لكان إضافة الشيء إلى نفسه. وهذا محال، لما تقدم.
  وأما (كلتا) فالتاء فيه بدل من الياء، أو الواو، لأن لام (كلا) عند الجماعة، واو. وعند الآخرين ياء. فمن قال: هو واو، استدل ب (كلتا) كما يستدل ببنت، وأخت، في: ابن، وأخ. ألا ترى أن لامي ابن، وأخ، واوان، بدليل إبدال التاء منه. والتاء لا تبدل من الياء إلا في حرف واحد، وهو قولهم: " أسنت القوم"(١). وأصله: أسنى، وأسنينا. ومن قال: التاء بدل من الياء، قال: لأنه جاءت الإمالة في (كلا). قال الله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما}(٢). فقرأها حمزة، والكسائي، بالإمالة(٣). ولو كانت بدلا من الواو، امتنعت الإمالة. فالتاء في (كلتا) بدل من الواو، أو الياء. والألف ألف التأنيث، عوملت معاملة (كلا) فقالوا: كلتا أختيك جاءت و: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ}، ومررت بكلتا أختيك. وقالوا في المضمر: جاءتني المرأتان كلتاهما، ورأيتهما كلتيهما، ومررت بهما كلتيهما، تشبيها: ب (عليك)، و (لديك)، و (إليك). فوزن (كلتا) فعلى، عندنا. وقال الجرمي: وزن (كلتا) فعتل. والتاء زائدة، والألف لام الفعل. وهذا باطل، لأن التاء، لم تزد في حشو الكلمة. وليس في الكلام: فعتل. فركوب ما [لا](٤) يخرج من كلامهم، ليس بالوجه.
  فهذه ثلاثة فصول في (كلا): أحدها: أن لفظه مفرد، خلافا للكوفي(٥). والثاني: أن لامه واو(٦)، خلافا لأبي سعيد. والثالث: أن التاء بدل، وليست بزائدة، خلافا للجرمي. وإذا ثبت هذا، فالواجب في التأكيد أن يبدأ ب (كل). فيقال: جاءني القوم كلّهم أجمعون. قال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (٣٠)(٧). ولو قيل: جاءني القوم أجمعون كلهم، لم يجز لقوة (كل) حيث يلي العامل، ولضعف (أجمعين).
  واعلم أنّ (أجمع) لم يستعمل تثنيته، واستغنى عنه ب (كلا) كما استغنوا ب (ترك) عن (ودع) و (وذر). [١٠١ / ب]. و (أجمع) لا ينصرف، للتعريف(٨)، ووزن الفعل. فهو مثل: أحمد.
  وليس مثل: أحمر، لأنهم قالوا: أجمعون، وأجمعين. ولو كان (أجمع) صفة، كأحمر، لقيل: جمع، كما قيل: حمر، في (أحمر). فلما قيل: أجمعون، علم أن الأمر بخلاف ما ادعاه أبو إسحاق.
(١) أسنت القوم: أجدبوا، وأصابهم قحط. التاج (سنت) ٤: ٥٦٩.
(٢) ١٧: سورة الإسراء ٢٣.
(٣) وكذلك أمالها: خلف. إتحاف الفضلاء ٢٨٢، والخزانة ١: ١٣١.
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) الإنصاف (مسألة ٦٢) ٢: ٤٣٩.
(٦) الكتاب ٣: ٣٦٤.
(٧) ١٥: سورة الحجر ٣٠.
(٨) المقتضب ٣: ٣٤٢، والأصول ٢: ١٩.