كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب عطف النسق

صفحة 265 - الجزء 1

  ففي النهي يكون بضده⁣(⁣١). قال سيبويه⁣(⁣٢): ولو قال: ولا تطع منهم آثما، أو لا تطع منهم كفورا، انقلب هذا المعنى وجاز له طاعة أحدهما. وذلك، لأنه يجعل (أو) في مثل هذا الموضع، بمعنى (بل). فكأنه يصير التقدير، حينئذ: ولا تطع منهم آثما، بل لا تطع منهم كفورا. وهذا ضد المعنى.

  وإنما صار هكذا، لأنه لا يكون لعوامل معمول واحد. ألا ترى أنه لو لم يكن (أو) بمعنى (بل) لاقتضى: ولا (تطع) الأولى، ما يقتضيه: ولا (تطع) الثانية، وليس في الكلام إلا معمول واحد.

  وإذا ثبت أنّ (أو) لأحد الشيئين، فمن قال هذه، أو هذه، وهذه طالق، طلقت الثالثة، وثبت الخيار في الأوليين، لأن التقدير: إحدى هاتين، وهذه طالق. وإحدى هاتين مبهم، فإليه التعيين. ومن قال: إن القدير: هذه، أو هما طالق، فإنه قد أثبت التعيين في الأولى، وأوقع الشبهة في الأخريين.

  فكان حق الكلام عنده: هذه، أو هما طالقان، فلما لم يقل كذلك، ثبت أن الأمر بخلاف ما قال.

  وكذلك إذا قال: أنت طالق أو غير طالق، فمعناه: أنت إحدى هاتين، لأنها غير مطلّقة. وكذلك، إذا قال: أنت طالق، واحدة، أو لا شى. الأظهر أنه كقولك: أنت طالق أو غير طالق. والرواية الأخرى: من أنه تقع واحدة، لأنه قيده به، فلا يصح الرجوع عنه فله وجه. فحيث جاءت (أو) فاعتبره بلفظ أحدهما، إلا أن يمنع مانع.

  [قال أبو الفتح]: ومعنى (لا) التحقيق للأول، والنفي عن الثاني. تقول: قام زيد لا عمرو.

  وهذا كما قال: إن (لا) إنما يعطف بها بعد الإثبات، دون النفي. لو قلت: ما قام زيد لا عمرو، لم يصح، إذ ليس فيه تحقيق الأول، وإخراج الثاني عن الأول، فلا يجوز. فإذا كان كذلك، فقوله تعالى: {إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ}⁣(⁣٣): لا يكون في تقدير: هي تثير الأرض. لأن هذا التقدير، يوجب إسقاط الواو، إذ يصير المعنى: هي تثير الأرض لا تسقي الحرث. ألا ترى أنه يقال: يقوم زيد لا يقعد، لأنه يعطف بها بعد الإثبات، دون النفي، إذ [١٠٦ / ب] هو تحقيق للأول، وإخراج للثاني عنه.

  [قال أبو الفتح]: ومعنى (بل) للإضراب عن الأول، والإثبات للثاني. تقول: قام زيد بل عمرو. ولا خلاف في أن ما بعد (بل) محقق ثابت. وإنما الخلاف فيما قبله: هل هو محقق، أو منفي؟. إذا قلت: قام زيد بل عمرو، فهل قيام زيد منفي، أو مثبت؟. فجماعة يقولون بنفيه، وجماعة لا يقولون فيه بشيء. ويقولون: (بل) لترك قصة، إلى قصة أخرى. كقوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ}⁣(⁣٤). (بل) هاهنا، ترك القصة الأولى، وأخذ


(١) مجمع البيان ١٠: ٤١٢، ٤١٣، إذ نقل عن الشارح قوله: قال البصير النحوي: (أو) هذه للتخيير. إذا قلت: اضرب زيدا أو عمرا، فمعناه: اضرب أحدهما، فإذا قلت: لا تضرب زيدا أو عمرا، فمعناه: لا تضرب أحدهما، فيحرم عليه ضربهما".

(٢) الكتاب ٣: ١٨٤، ١٨٨.

(٣) ٢: سورة البقرة ٧١.

(٤) ١٨: سورة الكهف ٤٨.