باب عطف النسق
  هُوَ اللهُ رَبِّي} لكن أنا، فحذفت الهمزة، وأدغمت النون في النون، فصار: لكنّ. وحكى سيبويه، عن يونس(١): أنه كان لا يرى (لكن) من حروف العطف. ووجه ذلك: أن (لكن) المخففة، بمنزلة المشددة التي ليست من حروف العطف. فتخفيفها لا يخرجها عن معنى المشددة. كما أن (إن) في قوله: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا}(٢) جرت مجرى المشددة. وكذلك (كأن) و (أن) في قوله:
  ٢٧٢ - ... ... كأن ظبية ... (٣)
  فيمن رواه بالنصب. وليس لما أنكره وجه. لأن الحروف، تختلف أحوالها. ألا ترى أن (حتى) مرة: تجر، ومرة: تعطف، ومرة: لا تعمل شيئا. فكذلك (لكن) إذا شددت، كانت بمنزلة (إنّ) وإذا خففت، ووقعت بعد الجحد، كانت عاطفة. وإذا لم تكن بعد الجحد، وقعت بعدها جملة وكانت من حروف الابتداء.
  وأما (أم) فتكون متصلة، ومنقطعة. فأما إذا كانت متصلة، وقعت قبلها همزة الاستفهام، خاصة. وكانت معنى (أم) أيّهما. وكان ما بعدها منفردا. تقول: أزيد عندك أم عمرو؟. ف (أم) هاهنا، متصلة، لأن قبلها همزة الاستفهام، ومعناه: أيّهما. وما بعدها مفرد، فلا جرم أنه ينبغي أن يعيّن جوابه، لأن السؤال، ب (أم) هذه، مرتب على السؤال ب (أو) والسؤال ب (أو) يجاب ب (نعم) أو (لا) فإذا قيل لك: أعندك زيد أو عمرو، فجوابه (نعم) أو (لا). لأنه كأنه قال: أأحدهما عندك؟ فإذا قيل له (نعم) [١٠٧ / ب]، أراد أن يعلم: من الحاضر، فيقول: أعندك زيد أم عمرو؟ فجوابه: زيد، إن كان الحاضر، أو عمرو، إن كان.
  وإذا قال لك: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية؟ فجوابه: أحدهما بهذا اللفظ. لأنه كأنه قال: أحدهما أفضل أم ابن الحنفية؟. ولو قال ذلك، كان جوابه، أحدهما، بهذا اللفظ. فكذا إذا قال: (أو). وأمّا (أم) المنقطعة، فإنه يتضمن معنى (بل) مع الهمزة، لا بد من ذلك. ويكون ما بعده جملة. وقد يقع قبله الهمزة، وغيرها من حروف الاستفهام. تقول: هل عندك زيد أم عندك عمرو. ومعناه: بل أعندك عمرو؟ ولا بد من ذلك، لأنه إعراض عن الأول، وسؤال عن الثاني.
  والدليل على أنه بمعنى (بل) مع الهمزة، قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ}(٤)، ومعناه: بل اتخذ مما يخلق بنات. فهي متضمنة لمعناهما. ولو كانت متضمنة ل (بل) وحدها، لم يجز، لأنه يصير
(١) الكتاب ١: ٤٣٥، وينظر هامش ٢٩.
(٢) ١١: سورة هود ١١١، وينظر: ص ١٢٤، هامش ٢٨.
(٣) هذه قطعة بيت من الطويل، وتمامه:
ويوما توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
وقد نسب إلى ستة شعراء كلهم من يشكر، هم: باعث بن صريم، وأرقم بن علباء، وكعب بن أرقم، وزيد بن أرقم، وراشد بن أرقم، وراشد بن شهاب، وهو في هذه النسب المختلفة، في: الكتاب ٢: ١٣٤، ٣: ١٦٥، والتحصيل ٢٨٠، والإنصاف ١: ٢٠٢، وشرح شذور الذهب ٢٨٤، وابن يعيش ٨: ٨٣، واللسان (قسم) ١٢: ٤٨٢، والخزانة ١٠: ٤١١.
(٤) ٤٣: سورة الزخرف ١٦.