كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كان وأخواتها

صفحة 137 - الجزء 1

  [قال أبو الفتح]: فإن اتصل به حرف جر، أو ظرف، أو مصدر، جاز أن تقيم كل واحد منها على انفراده، مقام الفاعل. تقول: سرت بزيد فرسخين يومين سيرا شديدا. إنما قال ذلك، لأن الفعل يدل على ثلاثة أشياء: يدل على المصدر، من جهة اللفظ، ويدل على الزمان، من جهة الصيغة، ويدل على المكان من جهة المعنى. ولما كان كذلك اشترك المصدر، وظرفا الزمان، والمكان في قيام كل واحد منهما مقام الفاعل. والجار، والمجرور بمنزلة الظرف، لأن الظرف أيضا في الحقيقة، جار ومجرور. وإنما قال: سيرا شديدا، ولم يقل: سيرا، لأنه، لو قيل: سير سير، لم يكن في ذكر سير فائدة لم تحصل بقولك: سير. قال الله تعالى: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ} (١٣)⁣(⁣١) فقيده بواحدة، لما ذكرنا، وهم مما يبنون الكلام على الفائدة. ولهذا المعنى، لم يجيزوا: إن الذاهبة جاريته صاحبها، لأنه لم تكن في ذكرك (صاحبها) مفيدا لشيء لم تكن تفيده بقولك: إن الذاهبة جاريته. فأما قوله: {فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ}⁣(⁣٢) فإنما جاء قوله: (اثنتين) ليفيد العدد، مجردا، من الصّغر، والكبر، لأنه، لو قال: فإن كانتا، احتمل أن يكون من أحد القبيلين، فجاء (اثنتين)، دفعا، للمحتمل: وزعم [٣٩ / ب] الأخفش أن التقدير: فإن كان من ترث اثنتين، فأضمر (من)، على معناه، دون لفظه. كما قال: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً}⁣(⁣٣) فجاء (تعمل) على المعنى.

  [قال أبو الفتح]: فإن كان هناك مفعول به صحيح، لم يقم مقام الفاعل غيره. تقول: ضربت زيدا يوم الجمعة ضربا شديدا. لا يجوز أن تقيم مقام الفاعل، غير زيد، لأنه المفعول الصحيح.

  قال الله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}⁣(⁣٤). فرفع (رزقه)، لأنه مفعول صحيح. ولم يقرأ بالنصب فيما علمناه.

  [قال أبو الفتح]: المشبّه بالفاعل في اللفظ، على ضربين: اسم كان، وخبر إن. [قلت]: وإنما كان مشبها بالفاعل، لأن (كان) و (أخواتها) أسندت إلى هذه الأسماء، نحو: كان زيد قائما، وأصبح زيد مسرورا، وليس محمد خارجا. فهذه الكلمات، وإن خالفن سائر الأفعال، فإنهن أفعال. فجاز أن يكون ما بعدهن فاعلا لها، على خلاف فاعل سائر الأفعال. فقولك: كان زيد قائما، يشبه قولك: ضرب زيد عمرا، من حيث اللفظ، وإن اختلفا من جهة المعنى. وأما خبر (إنّ) فسيأتي ذكره.

باب كان وأخواتها⁣(⁣٥)

  وهي: كان، وصار، وأمسى، وأصبح، وظل، وبات، وما دام، وما زال، وما انفك، وما


(١) ٦٩: سورة الحاقة ١٣.

(٢) ٤: سورة النساء ١٧٦.

(٣) ٣٣: سورة الأحزاب ٣١.

(٤) ٦٥: سورة الطلاق ٧.

(٥) عنوان هذا الباب في الكتاب ١: ٤٥: (هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى المفعول، واسم الفاعل، والمفعول، فيه لشيء واحد). ويعني بالفاعل، والمفعول: الاسم، والخبر. وينظر: الكتاب هامش (٢ / هارون) ١: ٤٥.