كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ظرف الزمان

صفحة 194 - الجزء 1

  بعد قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا}⁣(⁣١)، فيمن قدّر: أجر من أحسن عملا منهم، دون من قدّر وضع الظاهر موضع المضمر، نحو: [قول الشاعر]:

  ١٧٠ - لعمرك، ما معن بتارك حقّه ... ولا منسئ معن، ولا متيسّر⁣(⁣٢)

  لم يستحسن سيبويه⁣(⁣٣): ولا منسئ، عطفا على تارك. ولا يرى وضع معن ثانيا موضع الضمير، ليحسن العطف عليه، خلافا لأبي الحسن⁣(⁣٤).

باب ظرف الزمان

  [قال أبو الفتح]: اعلم أن الزمان: مرور [٦٧ / ب] الليل. والنهار، نحو اليوم، والليلة، والساعة، والشهر، والسنة، والدهر. [قال الشاعر]:

  ١٧١ - هل الدّهر إلّا ليلة، ونهارها ... وإلّا طلوع الشّمس، ثمّ غيارها⁣(⁣٥)

  وجميع أسماء الزمان، من المبهم، والمختص: يجوز أن يكون ظرفا. تقول في المبهم: صمت يوما، وسرت شهرا، وأقمت عندك حولا. وفي المختص: صمت الشهر الذي تعرف، وزرتك صفرا، ولقيتك يوم الجمعة. فإن قلت: يوم الجمعة مبارك، رفعته. لأنه، ليس فيه معنى (في). فقس عليه.

  [قلت]: ذكرنا أنّ الظرف، إنما يكون ظرفا، إذا كان متضمنا لمعنى (في). وينقسم قسمين: أحدهما: أن يكون العمل في بعضه. والآخر: أن يكون العمل في كله. فالأول، قولك: كلّمتك يوم الجمعة. وزرتك يوم السبت. فالعمل، هاهنا، في بعض النهار، لا في كله. والثاني، قولك: صمت اليوم. فالصيام، إنما هو في جميع النهار، لا في جزء دون جزء. ومما يكون العمل في بعضه، دون كله، قول الرجل لامرأته: أنت طالق في غد، ونوى آخر النهار، كانت طالقا في آخر النهار، دون أوله. لأنه أراد بقوله ما هو ملائم له، وموافق، ولا سيما قد جاء ب (في).

  وظاهر (في) [تحقيق]⁣(⁣٦) العمل في البعض دون الكل، وإن كان يحتمل الكل.

  ألا ترى أنك تقول: زيد في الدار، والماء في الإناء، وليس زيد شاغلا لجميع الدار، ولا الماء شاغلا لجميع الإناء، فالظاهر هذا. ومن ادعى خلاف ذلك، فهو مخالف للظاهر. فأما إذا لم يذكر (في) وقال: أنت طالق غدا، فإنه يكون العمل في كله. لأنه، لما لم يستعمل لفظة (في)، كان


(١) ١٨: سورة الكهف ٣٠.

(٢) البيت من الطويل، للفرزدق، في: ديوانه ١: ٢٤٥، والكتاب ١: ٦٣، والتحصيل ٨٢، وذيل الأمالي ٧٣، وشفاء العليل ١: ٣٣٦، والخزانة ١: ٣٧٥، ٣٧٩، ٤: ١٤٢.

وبلا نسبة في همع الهوامع ٢: ١٣٠.

(٣) الكتاب ١: ٦٢، إذ يقول: (ألا ترى أنك لو قلت: ما زيد منطلقا أبو زيد، لم يكن كقولك: ما زيد منطلقا أبوه ... لأنك قد استغنيت عن إظهاره، وإنما ينبغي لك أن تضمره).

(٤) الكتاب ١: ٦٥ هامش (٣).

(٥) البيت من الطويل، لأبي ذؤيب الهذلي، في: ديوان الهذليين ١: ٧٠، ومقاييس اللغة (غور) ٤: ٤٠١، واللسان (غور) ٥: ٣٥، والتاج (غور) ١٣: ٢٧٢.

(٦) الأصل غير واضح.