كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الندبة

صفحة 293 - الجزء 1

  يكون (فيعل) في الأسماء المعتلة، نحو: سيّد، وميّت. وقوله في الفصل المتقدم: وصميان بمنزلة: كروان، يعني من قال: يا حار، قال: يا صمي. ومن قال: يا حار، قال: يا صما، يقلب، كما يقلب في: كرا. وباب الترخيم، باب يطول ذكره، وفيما ذكر دليل على غيره.

باب النّدبة

  أكثر العلماء، لم يذكروا هذا الباب، إذ ليس هو شيئا عاما في كلامهم. وأكثرهم لا يعرفونه.

  وقد ذكر أنه شي يختص بالنساء. وهو خارج عن عادات العرب. ألا ترى: أن (وا) كأنه مأخوذ من العجم. وإذا كان كذلك، فمن ذكر هذا الباب، فغرضه أن يبني عليه المسائل التي يشتبه بعضها ببعض، في بعض الأحوال.

  فمن ذلك، أنه إذا ندب غلام المخاطب، قال: واغلامكاه. وإذا ندب غلام المخاطبة، قال: واغلامكيه. فيخرج عن سنن الندبة، إذ سنن الندبة، أن يلحق بالأخير ألف، وفي الوقف ألف، وهاء. فلما احتاج، هنا، إلى الفرق بين المذكر، والمؤنث، قلب الألف اللاحقة، ياءا، لانكسار ما قبلها. ومن ذلك: غلام الغائبين، يقال فيه: يا غلامهموه. فيقلب الألف واوا، كي لا يشتبه بغلام الاثنين. وكذا جماعة المخاطبين، يقال فيه: يا غلامكموه، كي لا يشتبه، ب (يا غلامكماه) ويقال: يا غلامهموه، في الغائب لئلا يشتبه بالغائبة، نحو: يا غلامهاه. وهذه الهاء اللاحقة في الوقف، بعد الألف، تسمى: هاء الاستراحة. وقد جاء في التنزيل، كقوله تعالى: {هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ} (٢٨)⁣(⁣١) {وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ} (١٠)⁣(⁣٢).

  [أقول]: والندبة، إنما تكون في أشهر الأسماء. وهو، كما قال. لأن الاسم إذا لم يشتهر، لا يعرف أنّ نادبه من يندب.

  وأما ندبة المضاف، ففيه خلاف. أجازه قوم، ومنعه قوم. وقالوا: إنه لا يجوز [١٢١ / ب] لأن النداء لا يعمل فيه البناء، فلا يجوز أن يندب. والصحيح: جوازه. إذ الأمر يتعلق في ذا، بشهرة الاسم. ولأن العرب، قالت: وامن حفر بير زمزماه. وهو أبعد من المضاف، والمضاف إليه. إذ هو واقع في صلة (من) فإذا استجازوا ذلك لشهرته، فجواز: واعبد الملكاه، أولى.

  [قال أبو الفتح]: وتقول: واغلامياه.

  قد ذكرنا أن هذا الفصل يجوز فيه أربعة أوجه:

  [الأول]: تحريك الياء. فعلى هذا، لا أشكال أن يقال: واغلامياه.

  [الثاني]: إسكان الياء. فعلى هذا فيه وجهان: الأول: تحريك الياء، لالتقاء الساكنين، فيقال: واغلامياه. والآخر: حذف الياء، لالتقاء الساكنين، فيقال: واغلاماه.

  [الثالث]: يا غلام. فعلى هذا تقول: واغلاماه، فتلحق الألف، وتفتح الميم، لوقوع الألف بعدها.


(١) ٦٩: سورة الحاقة ١٩، و ٢٨.

(٢) ١٠١: سورة القارعة ١٠.