كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الحروف التي تنصب الفعل

صفحة 296 - الجزء 1

  فلجريها مجرى الحركة. وهي تثبت في موضع الرفع، ساكنة، نحو: هو يقضي، ويغزو، ويخشى، لأن الحركة تستثقل فيها.

  فأما في النصب، فالواو، والتاء يفتحان، خاصة، دون الألف. فيقال: لن يغزو، ولن يقضي.

  ويسكن الألف، فيقال: لن يخشى. ولا يفتح الألف، لأن فتحها يوجب قلبها، أيضا، لتحركها، وانفتاح ما قبلها. وقد جاءت هذه [١٢٣ / ا] الحروف، ثابتة، أيضا، في موضع الجزم. [قال الشاعر]:

  ٢٩٩ - ألم يأتيك، والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد⁣(⁣١)

  وقد قرأ ابن كثير⁣(⁣٢): {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}⁣(⁣٣). وقال قوم: من هذا الباب

  [قول الشاعر]:

  ٣٠٠ - وتضحك منّي شيخة عبشميّة ... كأن لم ترى، قبلي أسيرا يمانيا⁣(⁣٤)

  وقالوا في قراءة حمزة⁣(⁣٥): {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى}⁣(⁣٦):

  ولم يقل: ولا (تخش). [وقال الشاعر]:

  ٣٠١ - إن تذنبوا، ثمّ يأتيني بقيّتكم ... فما عليّ، بذنب عندكم، فوت⁣(⁣٧)

  ولم يقل: ثم يأتني. قالوا: والوجه في إثبات هذه الحروف في موضع الجزم، أنه كأنه قدر الحركة، في الياء، والألف. فلما أدخل عليه الجازم، أسقط تلك الحركة في التقدير. وقال قوم: بل أشبعوا الكسرة، والفتحة، الواقعتين قبل الألف، والياء، فتولدت منهما الألف، والياء.

  وأما إثبات النون، في موضع الرفع، في الأفعال الخمسة، فلأنهم، لما عجزوا عن استعمال الحركات التي استوفتها الأفعال المسندة إلى الآحاد، إذا كانت صحيحة، والحروف، لما استوفتها الآحاد، إذا كانت معتلة، لجؤوا إلى النون، في موضع الرفع.

  فلما صاروا إلى الجزم، حذفوا النون، وحملوا النصب على الجزم، كما حمل النصب على الجر، في تثنية الأسماء، وجمعها على ما بينا.

  وأما فعل جماعة النسوة، فإنه مبني، نحو: يقعدن، ولن يخرجن، وإن كانت مضارعة. قال سيبويه⁣(⁣٨): لأنهم حملوه على الفعل الماضي، حيث قالوا: قعدن، وخرجن. فأسكنوا الأخيرة في الماضي، لأن هذا فعل، كما أن ذاك فعل، ولأن هذا مسند إلى ما أسند إليه ذلك، فلهذا وجه، كما أن لإعرابه وجها. قال: وكلّ صواب عربيّ.

باب الحروف التي تنصب الفعل

  [قال أبو الفتح]: وهي أربعة: أن، ولن، وكي، وإذن ... إلى آخر الباب.


(١) سبق ذكره رقم (١٢٨).

(٢) ينظر: ص ١٢٧، هامش (٨).

(٣) ١٢: سورة يوسف ٩٠.

(٤) سبق ذكره رقم (٢)، و (١٢٦).

(٥) ينظر: ص ٩، هامش (٣).

(٦) ٢٠: سورة طه ٧٧.

(٧) البيت من البسيط، لم أهتد إلى قائله.

(٨) الكتاب ١: ٢٠.