كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

صفحة 319 - الجزء 1

  وقعت على الظرف، تكون ظرفا، وإذا وقعت على المصدر، فإنها تكون مصدرية. فهاهنا، نصب على المصدر، أو الظرف.

  والتقدير: كم حلبة، أو: كم مرة حلبت. والعامل فيه قوله: حلبت، أو الفعل في جميع المواضع.

  واعلم أنّ (كم) تكون فاعلة، ومفعولة، ومجرورة. فأما الفاعلة: تقول: كم رجلا جاءك.

  ف (كم) [١٣٤ / ب]، موضعها: رفع بالابتداء. ورجلا: نصب على التمييز. وجاءك: رفع، خبر الابتداء. وأما المفعولة، نحو: قولك: كم إنسانا ضربت. فإنّ موضعها نصب، وهي مفعولة. وأما المجرورة: فتقول: بكم إنسان مررت. ف (كم) مجرورة. والباء: تتعلق ب (مررت) وتقول: بكم ثوبك مصبوغ. فثوبك: رفع بالابتداء. ومصبوغ: خبره. وقولك: ب (كم) يتعلق ب (مصبوغ) والسؤال، هاهنا، عن أجرة الصبغ. وبكم ثوبك مصبوغا: ثوبك: رفع بالابتداء. وبكم خبره.

  ومصبوغا: نصب، على الحال، والسؤال، هاهنا، عن ثمن الثوب. فكأنه قال: بكم ثوبك، في حالة ما هو مصبوغ.

  واعلم أنّ (كم) مفرد اللفظ، مجموع المعنى. فهو ك (من) و (كلّ)؛ لأن كل واحد منهما مفرد اللفظ، مجموع المعنى. والدليل عليه، قوله، سبحانه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً}⁣(⁣١). فقال: شفاعتهم، فجمعه، وحمله على المعنى. وكذلك قوله: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ} (٤)⁣(⁣٢). فجمعه، وحمله على المعنى. وأما (من) فقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ}⁣(⁣٣). فأفرد ما بعده، وحمله على اللفظ. وكذلك: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ}⁣(⁣٤)، فجمعه، وحمله على معناه.

  وأما (كلّ) فقوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}⁣(⁣٥). فجمعه، وحمله على المعنى. وقال في موضع آخر: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} (٩٥)⁣(⁣٦) فأفرده، وحمله على اللفظ.

  واعلم أنّ (كم) إذا كانت استفهامية، فإنه يفرد ما بعده. فتقول: كم رجلا، ولا يجوز أن يقال: كم رجالا، كما في الأعداد؛ ولأن المقصود، إنما هو العدد، والسؤال عن العدد، وعن الجنس، وبهذا يحصل. ولفظ النكرة أخف من لفظ المعرفة. والله أعلم.

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

  اعلم أنّ الأصل في الأسماء: الصرف؛ وذلك، لأنها متمكنة. فلتمكنها استحقّت الصرف. فأما إذا عارض التمكن سببان من هذه الأسباب التسعة التي ذكرها، فيكون كل واحد من السببين فرعا على أصل، فإنهما [١٣٥ / أ] يمنعان الصرف، ويزيلان التمكن، ولكن لا يوجبان البناء. والمقصود


(١) ٥٣: سورة النجم ٢٦.

(٢) ٧: سورة الأعراف ٤.

(٣) ١٠: سورة يونس ٤٣.

(٤) ١٠: سورة يونس ٤٢.

(٥) ٢٧: سورة النمل ٨٧.

(٦) ١٩: سورة مريم ٩٥.