كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المعرب والمبني

صفحة 64 - الجزء 1

باب المعرب والمبني

  [قال أبو الفتح]:

  الكلام في الإعراب، والبناء⁣(⁣١) على ضربين: معرب ومبني. فالمعرب على ضربين: أحدهما: الاسم المتمكن، والآخر: الفعل [٣ / ب] المضارع. وما عداهما، من سائر الكلام، فمبني غير معرب.

  [قلت]: الإعراب: مشتق من قولهم: أعرب الرجل إذا أبان عما في نفسه. وفي الحديث: (الثيب يعرب عنها لسانها)⁣(⁣٢) أي: يبين. فالإعراب: هو البيان، وذلك، لأنك إذا قلت: ضرب زيد عمرا، لو لا الإعراب الذي هو رفع الفاعل، ونصب المفعول، لم يتبين الفاعل من المفعول. وكذلك إذا قلت: ما أحسن زيدا، بنصب (زيد)، علمت أنه تعجب، وإذا رفعت، فقلت: ما أحسن زيد، علمت أنه نفي للإحسان. وإذا قلت: ما أحسن زيد؟ بالجر، علمت أنه استفهام. فالإعراب: هو هذا البيان. وقال قوم: الإعراب مشتق من قولهم: عربت معدته، أي: فسدت⁣(⁣٣). وأعربتها، أي: أزلت فسادها. فهمزة قولك: أعربت، على هذا، همزة سلب⁣(⁣٤)، كما يقال: أشكيت الرجل، أي: أزلت شكايته.

  وعلى هذا حمل أبو علي قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها}⁣(⁣٥) على أنه أسلب عنها خفاءها⁣(⁣٦) ف (أخفيها) مستقبل: أخفيته، وأخفيت: أي، سلبت عنها الخفاء، وإذا سلب الخفاء ظهر. فمعنى: أخفيها: أظهرها بهذا الطريق. يعني: أزيل خفاءها لا أن: أخفي: بمعنى: خفي، لأن (خفي) بمعنى: أظهر⁣(⁣٧). فالإعراب: سلب الفساد من الكلام، لأن قولك: ضرب زيد عمرا،


(١) كتاب الحدود في النحو للرماني، المنشور ضمن رسائل في النحو واللغة ٣٨.

(٢) سنن ابن ماجة ١: ٢٩٦، والمعجم الكبير - للطبراني ١٧: ١٠٢، واللفظ في كليهما: (الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها).

(٣) بفتح السين وضمها، والفتح أعلى. التاج (فسد) ٨: ٤٩٦.

(٤) السلب: هو أحد معاني همزة أفعل الداخلة على الفعل الثلاثي، لتفيد: معنى التعدية، نحو: أجلسته، والصيرورة، نحو: أغد البعير، أي: صار ذا غدة، والسلب، نحو: أشكيته، أي: أزلت شكايته، كما قال الشارح. الكتاب ٤: ٥٥ - ٥٩، وشرح شافية ابن الحاجب ١: ٨٣.

(٥) ٢٠: سورة طه ١٥.

(٦) قال أبو علي: الغرض فيه: أزيل عنها خفاءها، وهو ما يلف فيه القربة، ونحوها من كساء، وما يجري مجراه. قال الشاعر:

لقد علّم الايقاظ أخفية الكرى ... تزجّجها من حالك، فاكتحالها

أراد أن العيون تستر النوم، أي: تسلبه. ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن ٧: ٤.

(٧) ورد الفعل (خفي) في كلام العرب بمعنى: ظهر، وعليه جاء قول امرئ القيس:

خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنما ... خفاهنّ ودق من عشيّ مجلّب

يعني: أن عدو فرسه اخرج الفيران من أجحارها، كما يخرجها المطر الشديد. وقال أيضا:

فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

ديوانه ٥٥، ٧٧، واللسان (خفا) ١٤: ٢٣٤.