غزوة أحد
  ثم استشار ÷ الناس، فأشار جمهورهم بالوقوف في المدينة، وكان ذلك رأيه ÷، وقالت طائفة: اخرج بنا إلى عدونا لئلا يظنوا أنا جَبُنا عنهم، ولم يزالوا برسول الله ÷ حتى خرج، فكان المسلمون ألفاً، فيهم مائة دارع، ومعهم فرسان: أحدهما للنبي ÷، والأخرى لأبي بردة بن نيار، ثم انخزل(١) عنه ÷ عبد الله بن أُبي بن سلول في ثلث العسكر، ثم إنه صفّ أصحابه، وجعل أُحُداً خلف ظهره، وزحف المشركون(٢)، ونساؤهم تحرضهم على القتال، وتقول هند بنت عتبة وهي تضرب بالدفِّ:
  نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
  والمسك في المفارق ... إن تُقْبِلُوا نعانق
  أوتدبروا نفارق ... فراق غير وامق(٣)
  وقد عهد ÷ إلى الرماة أن لا يبرحوا من مكانهم ليحموا ظهور المسلمين بالنبل، وشدّ المسلمون على كتائب المشركين، فجعلوا يضربونهم حتى ولّوا منهزمين ولا يلوون على شيء، وجعلوا ينتهبون عسكرهم، فلما رأى الرماة ذلك انطلقوا للغنيمة، وأخلوا بالمركز(٤)، فجالت خيل المشركين من وراء المسلمين، فوضعوا السلاح فيهم، فاستشهد منهم من استشهد، وتفرقوا في كل وجه، وثبت مع النبي ÷ حماة الحقائق(٥) من المهاجرين والأنصار، وقصد ابن قمئة لعنه الله رسول الله ÷ ليقتله، فاعترض دونه مصعب بن عمير ¥، فقتله ابن قمئة، وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله ÷، فعادت كما كانت، وقاتل ÷ بنفسه أشد
(١) انخزل أي رجع.
(٢) ابتسام البرق - خ -.
(٣) انظر تأريخ الطبري ٢/ ١٩٥، وسيرة ابن هشام ٣/ ٢٢ - ٢٣، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١٤/ ٢٣٥.
(٤) في (ب): بالمراكز.
(٥) الحقائق: جمع الحقيقة، وهي: ما يحق على الرجل أن يحميه (انظر مختار الصحاح ص ١٤٧).