عمرة الحديبية
  رسول الله ÷: «إنَّا لم نأتِ لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه»، ثم سَفَّر في الهدنة عروة بن مسعود الثقفي، وبعث رسول الله ÷ عثمان بن عفان إلى مكة، فبلغه أنه قتل، فدعا إلى البيعة، فبايعه الناس بيعة الرضوان تحت الشجرة على أن لا يفروا، وقيل: على الموت، ثم أشار أهل الرأي من المشركين بالصلح، على أن يرجع رسول الله ÷ ثم يعود من قابل فيقيم بمكة ثلاثاً، فصالحهم ÷ على ذلك، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله ÷ وعقده، ودخلت بنو بكر بن عبد مناة في عهد قريش وعقدهم، وكانت هذه الهدنة عشر سنين(١).
  قلت: وروى رزين بن معاوية(٢) في جامعه، أن سهيل بن عمرو، قال للنبي ÷ لما كاتبه في الصلح: لا يدخل مكة السلاح، إلا السيف في القراب، وأن لا يمنع من أصحابه أحداً إن أراد أن يقيم بها، وعلى أنه لا يأتيك منَّا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله! كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً! قال رسول الله ÷: «نعم، من ذهب منَّا إليهم أبعده الله، ومن جاء منهم ورددناه، سيجعل الله لهم(٣) فرجاً»، فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يحجل(٤) في قيوده قد خرج من أسفل(٥) مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلينا، فقال ÷: «إنَّا لم نقض(٦) الكتاب بعدُ».
  قال: فوالله، إذاً لا أصالحك.
(١) ابتسام البرق - خ - وهو هنا منه بتصرف واختصار يسير.
(٢) هو رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي الأندلسي، المتوفى سنة ٥٣٥ هـ، أبو الحسن، إمام الحرمين، نسبته إلى سرقسطة من بلاد الأندلس، جاور بمكة زمنا طويلاً، وتوفي بها، له تصانيف. (الأعلام ٣/ ٢٠).
(٣) في (ب): له.
(٤) يحجل: يمشي مشية المقيد.
(٥) في (ب): أعلى.
(٦) في (ب): ننقض.