[إيقاع الرشيد بالبرامكة، وموت يحيى]
  الذنوب العظام والكبائر الموبقات مالا أطمع معها في النجاة والمغفرة.
  فقال له يحيى: لا تفعل، فإنه ليس ذنبٌ أعظم من الشرك، وقد قال الله في محكم التنزيل للمسرفين الذين أسرفوا في الشرك وفي معاداة النبي وقتل أصحابه: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ٥٤}[الزمر: ٥٤، ٥٣]، فأمر بالإنابة والتوبة، والله تبارك وتعالى يغفرُ لمن تاب وإنْ عَظُم جرْمه.
  قال: فتضمن لي المغفرة إنْ أنا خلّيتك؟
  قال له يحيى: نعم أضمن لك ذلك على شريطة.
  قال جعفر: وما هي؟
  قال: تتوب من كل ذنب أذنبَته بينك وبين الله، ثم لا تعود في ذنب أبداً، وأما الذنوب التي بينك وبين الناس، فكل مظلوم ظَلمْتَهُ ترد ظِلامته عليه، فإنَّك إذا فعلتَ ذلك، وأدّيْت الفرائض الي الله عليك غفر الله لك، وأنا الضامن لك على ذلك.
  قال: فعزم جعفر على تخليته، وأخذ على يحيى العهود والمواثيق بأنْ يمضي من فوره ذلك حتى يدخل إلى بلاد الروم، وألا يخبر أحد باسمه ولانسبه، ولا يستصحب أحداً، ويقيم في بلاد الروم ما دام هارون حياً، إلا أن لايجد سبيلاً إلى الوصول إلى بلاد الروم؛ فحلفَ يحيى على تلك، وكتبَ له جعفر بن يحيى منشوراً لا يعرض له، وأن يُحْتال له في الدخول إلى بلد الروم سراً وحده لأمر مهم، وينفذ من يومه إذا وصل إن شاء الله، وأخرجه ليلاً.
  قال: وكان عمّ جعفر محمد بن خالد بن برمك، عاملاً على ثغور الروم؛ فمرّ يحيى من فوره ذلك حتى أتى ثغر المصيصة فأُخِذَ بها، وأُتي به إلى محمد بن خالد بن برمك؛ فلما