أخبار فخ وخبر يحيى بن عبدالله (ع) وأخيه إدريس بن عبدالله (ع)،

أحمد بن سهل الرازي (المتوفى: 310 هـ)

[إيقاع الرشيد بالبرامكة، وموت يحيى]

صفحة 122 - الجزء 1

  الحفارين الذي حفروا القبر؛ قالوا: أُمرنا أنْ نحفر قبراً طوله كذا وعرضه كذا، ولا نجعل له لحداً ففعلنا وظننا أنهم يدفنون فيه مالاً، فصعدنا على شجر كانت في المقبرة لننظرما يُدفن، فلما مضى من الليل نصفه إذْ بنفرعليهم ثياب بيض، وفارس يركض وهو يصيح: خذوه خذوه! يُوهم من كان هنالك أنه قد رآه؛ فسكتنا حتى وقفوا على القبر، فإذا رجل مكبّل بالحديد على بغل، ومعهم تابوت على بغل آخر، فوَضعَ صاحبُ التابوتِ التابوتَ في القير وانصرف، وجاء القوم فأنزلوا الرجل من البغل وأدخلوه التابوت، فإذا هو يقول: يا هارون اتق الله ما يشفيك قتلي دون عذابي، أيُّ دَرك لك في عذابي؟ فيقول له الملك عظيم هيبته⁣(⁣١)، إطرحوه الآن في التابوت.

  فما زال يناشده الله والرحم حتى واراه التراب، ثم انصرفوا.

  فقلنا: والله لو لم نحضر ما كان علينا من دمه؛ فإنْ أغفلناه كنا شركاء في دمه، فنزلنا من الشجرة وأخذنا المساحي، ثم عالجناه حتى أخرجنا التابوت، فاستخرجناه منه وبه أدني رمق، فذهبنا به إلى النهر، فغسلناه في الماء حتى عادت إليه نفسه، ثم عُدْنا إلى القبر فسوّيناه كما كان وصرْنا بيحيى إلى منازلنا.

  فكتبَ لنا رقعة إلى يحيى بن مالك بن خالد الخزاعي، فوقفنا له حتى ركب، ثم دفعنا إليه الرقعة، فقال: قفوا حتى أعود، ثم مضى ساعة يتصّيد وعاد، فقال: أخبروني كيف كانت قصة يحيى، فأخبرناه، فبكي ثم دعا ببدرة دنانير، فقال: ادفعوها إليه وقولوا له: قال يحيى يامولاي اقطع الأرض ولا تعترف لأحد من الناس والْحَقْ ببلاد الشرك، قال: فأتيناه بالبدرة، فأخذ منها دينارين ودفعَ باقي ذلك المال إلينا ومضى.


(١) في بعض النسخ: «الملك عقيم، هيه اطرحوه».