[رسالة إدريس إلى المغاربة]
  أما بعد:
  فإنِّي أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وإلى العدل في الرَّعية، والقسم بالسوية، ودفع الظالم؛ والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد، فاذكروا الله في ملوك تَجَّبروا، وفي الأمانات ختروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا، وولد نبيه قَتلوا، وأذكركم الله في أرامل افتقرت، ويتامي ضُيِّعَتْ، وحدود عُطّلت، وفي دماء بغير حق سُفكت، قد نبذوا الكتاب والإسلام وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فلم يبقَ من الإسلام إلا اسمه؛ ولا من القرآن إلا رسمه.
  واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله على أهل طاعته المجاهدة لأهل عداوته ومعصيته باليد واللسان.
  فباللسان الدعاء إلى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والتذكرة، والحضّ على طاعة الله، والتوبة من الذنوب؛ والإنابة والإقلاع والنزوع عما يكره الله، والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلّها، والتعليم والتقويم لمن استجاب الله ولرسوله، حتى تنفذ بصائرهم؛ ويكمل علمهم(١)، وتجتمع كلمتهم، وتنتظم إلفَتُهُم، فإذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً، وللظالمين مقاوماً، وعلى البغي والعدوان قاهراً، أظهروا دعوتهم؛ وندبوا العباد إلى طاعة ربهم، ودافعوا أهل الجور عن ارتكاب ما حرّم الله عليهم، وحالوا بين أهل المعاصي وبين العمل بها؛ فإن في معصية الله تلفاً لمن ركبها، وهلاكاُ لمن عمل بها.
  ولا يؤيسنكم من علّو الحق وإظهاره وقلّة أنصاره، فإن فيما بدء به من وحدة النبي
(١) في الحدائق: وتكمل نحلتهم.