[جواب يحيى # على الرشيد]
  يكن لكم خاصة وللإمة عامة في محمد بن عبد الله فضلاً؟ إذْ لا فضل يعدل في الناس فضله، ولا زهد يشبه زهده، حتى ما يتراجع فيه اثنان ولايتردد فيه مؤمنان، ولقد أجمع عليه أهل الأمصار من أهل الفقه والعلم في كل البلاد، لا يتخالجهم فيه الشك ولا تقفهم عنه الظنون، فما ذُكِر عند خاصة ولا عامة إلا اعتقدوا محبته، وأوجبوا طاعته، وأقروا بفضله، وسارعوا إلى دعوته، إلا ما كان من عناد أهل الإلحاد الذين غلبت عليهم الشقوة وغمصوا النعمة، وتوقعوا النقمة من شيع أعداء الدين، وأفئدة المضلين(١)، وجنود الضالين، وقادة الفاسقين، وأعوان الظالمين، وحزب الخائنين.
  وقد كان الدعاء إليه منكم ظاهراً، والطلب له قاهراً، بإعلان اسمه وكتاب إمامته على أعلامكم: «محمد يامنصور(٢)»، يُعْرف ذلك ولا يُنْكر، ويُسمع فلا يُجهل، حتي صرفتموها إليكم وهي تخطب عليه، وكفحتموها عنه وهي مُقْبلة إليه، حين حضرتم وغاب، وشهدتم إبرامها ورأى قلّة رغبة ممن حضر، وعظيم جرأة ممن اعترض، حتى إذا حصلت لكم بدعوتنا، وهدأت عليكم بخطبتنا، وقرّت لكم بنسبتنا؛ قالت لكم أجرامكم إلينا، وجنايتكم علينا، إنها لاتتوطأ لكم إلا بإبادة خضرائنا، ولا تطمئن لكم دون استئصالنا، فأغرى بنا جدّك المتفرعن في قتلنا لاحقاً بإثرة فينا عند المسلمين، ولؤم مقدرة وضراعة مملكة، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، قبل بلوغ شفاء قلبه من فنائنا، وهيهات لن يدرك الناس ذلك، ولله فينا خبّية لا بد من ظهورها، وإرادة لابد من بلوغها.
  فالويل له، فكم من عين طال ما غضت عن محارم الله وسهرت متهجدة لله، وبكت
(١) في بعض النسخ: (أفلة المسلمين).
(٢) ارتبط لقب المنصور بظهور المهدي، وكان شعار أصحاب الإمام زيد عند ظهوره، انظر المصابيح (مصورة: ٨٧): ونادى أصحابه #: (يا منصور أمت).