[جواب يحيى # على الرشيد]
  في ظلم الليل خوفاً من الله، قد أسحّها بالعبرات باكية، وسمّرها بالمسامير المحمّاة فألصقها بالجدرات المرصوفة قائمة، وكم من وجه طالما ناجي الله مجتهداً وعنا لله متخشعاً، مشوهاً بالعمد، مغلولاً مقتولاً ممثولاً به معنوفاً؛ وتالله أن لو لم يلقَ الله إلا بقتل النفس الزكية أخي محمد بن عبدالله ~، للقيه بإثمٍ عظيم، وخطب كبير، فكيف وقد قتل قبله النفس التقية أبي عبدالله بن الحسن وإخوته وبني أخيه، ومنعهم روح الحياة في مَطابِقِهِ، وحال بينهم وبين خروج النفس في مطاميره، لا يعرفون الليل من النهار ولا مواقيت الصلاة إلا بقراءة أجزاء القرآن تجزئة، لما عانوا من دراسته في آناء الليل والنهار حين الشتاء والصيف، حال أوقات الصلوات، قرماً(١) منه إلى قتلهم، وقطعاً لأرحامهم، وَتِرَة لرسول الله فيهم، فولغ في دمائهم ولغان الكلب، وضريَ بقتل صغيرهم وكبيرهم ضراوة الأسد، ونهم بهم نهم الخنزير، والله له ولمن عمل بعمله بالمرصاد.
  فلما أهلكه الله قابلتنا أنت وأخوك الجبار العنيد الفظ الغليظ بأضعاف فتنته، وإحتذاءً بسيرته، قتلاً وعدواناً وتشريداً وتطريداً.
  فأكلتمانا أكل الربا(٢) حتى لفظتنا الأرض خوفاً منكما، وتأّبدنا في الفلوات هرباً منكما، فأَنِسَت بنا الوحوش وأنسنا بها، وأَلِفَتنا البهائم وألفناها، فلو لم تجترم أنت وأخوك إلا قتل الحسين بن علي وأسرته بفخ، لكفى بذلك عند الله وزراً عظمياً، وسيعلم وقد علم ما اقترف، والله مجازيه وهو المنتقم لأوليائه من أعدائه.
(١) قرماً: القرم: شدة الشهوة إلى اللحم.
(٢) الربا: كحبلى، الشاة إذا ولدت، وإذا مات ولدها والحديثة النتاج، انتهى من القاموس.