التبيان في الناسخ والمنسوخ في القرآن المجيد،

عبدالله بن محمد بن أبي النجم (المتوفى: 647 هـ)

[2 - سورة البقرة]

صفحة 64 - الجزء 1

  هي ثابته، والمراد بالصفح الإعراض عنهم والصد عن أذاهم، وفيه إشارة الى حسن الأخلاق، والأول هو الوجه.

  [٥] قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}⁣[البقرة: ١١٥].

  قال السيد الإمام المقتصد العالم عبدالله بن الحسين بن القاسم # لما دخل رسول الله ÷ المدينة أمره الله تعالى بالصلاة إلى بيت المقدس، وأنزل الله عليه: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}⁣[البقرة: ١١٥] فكان ÷ يصلي إليه لما أراد الله من تقريب أهل المدينة، ومن حولها، وذلك أن أكثرهم كانوا يهوداً، وكانوا يعظمون بيت المقدس، فلما صلى إليه عظم أمره عند اليهود، ووقع ما يدعوا إليه في قلوبهم، وقالت قريش: ما صرفه عن قبلة آبائه، وكان رسول الله ÷ يحب قبلة أبيه ابراهيم #، وأمَّا الأنبياء [من قبله] فكانوا يتعبدون بالصلاة إليه والقصد، وكان ÷ يدعو إلى الله سبحانه وينظر في السماء ويلتفت عن الصلاة إلى البيت العتيق فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}⁣[البقرة: ١٤٤] فنسخت هذه الآية الآية الأولى، «فاشتد» ذلك على اليهود، وقالوا: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فقال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}⁣[البقرة: ١٤٣] ثم قال تقدس مخبراً عنهم: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}⁣[البقرة: ١٤٢] يعني بالسفهاء: اليهود ومن قال بقولهم، فلما نسخت القبلة، وهي أول ما نسخ صعد النبي ÷ المنبر فتلا هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} ثم نزل، فصلى بهم الظهر إلى الكعبة البيت العتيق، في النصف من شعبان، لثمانية عشر شهراً من