فصل [حقيقة الداعي وبيانه وهو مما تعلقت به المجبرة]
  البرهان لما تخلصوا عنه إلا بالتزام، وقوع الممكن لا عن مرجح، وحينئذ يفسد باب إثبات الصانع، أو بالتزام أن يفعل الله ما يشاء، يعني إجبار العبد، وأن الفعل فعله سبحانه.
  أجاب العدلية(١) عن ذلك بوجوه أربعة:
  الأول: بأنه استدلال في مقابلة الضرورة، فيكون باطلاً، وذلك أنا نفرق ضرورة بين الأفعال الضرورية، والإختيارية، كالسقوط والصعود، وحركتي الإختيار والرعشة.
  الثاني: أنه يجري في فعل الباري تعالى، فيلزم أن لا يكون مختاراً، وأنه كفر.
  الثالث: يلزم أن لا يوصف الفعل بحسن ولا قبح شرعاً، إذ لا تكليف لغير المختار عندكم وإن جوزتموه.
  الرابع: أنا نختار أنه يحتاج إلى مرجح، والمرجح لفعل العبد على تركه هو الإرادة للفعل، فلا يلزم كون العبد مجبوراً في أفعاله.
  أجابت الجبرية(٢) عن الأول: بأن الضروري وجود القدرة لا تأثيرها.
  قالت العدلية: جعلكم الضروري وجود القدرة لا تأثيرها مغالطة، فإنه لا طريق إلى العلم بوجودها إلا العلم الضروري باختيارنا في
(١) سميت العدلية عدلية لقولهم بعدل الله وحكمته.
(٢) سميت الجبرية جبرية نسبة إلى الجبر، وهو القول بأن الله يجبر عباده على فعل المعاصي.