فصل [حقيقة الداعي وبيانه وهو مما تعلقت به المجبرة]
  مجرد تسمية تكذبها الحقيقة(١)
  وأجابت الجبرية عن الوجه الرابع بأن الإختيار، والإرادة من فعل الله، لأن اختيار العبد ليس باختياره، وإلا لزم التسلسل، فيبطل استقلال العبد بفعله.
  أجابت العدلية: بأنا لا نسلم أن الإرادة من فعل الله تعالى، بل من فعل العبد، ولا يلزم التسلسل لأن المحتاج إليها هو المتوجه إليه قصد الإرادة، وأيضاً يدل على أن الإرادة من فعل العبد قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}(٢) وقوله: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ٢٧}(٣) وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ}(٤) الآية، وغير ذلك من الآيات الدالة على أنهم أرادوا غير ما أراد سبحانه، فكيف تكون إرادة العبد منه، وهو يخبر أن إرادتهم غير إرادته! وفي قولهم هذا مخالفة للقرآن، ولما نجده من أنفسنا، على أن ابن الحاجب(٥) قد استضعف دليلهم هذا، أعني الداعي والمرجح من حيث هو، وهو من فحول المجبرة، وأيضاً فقد ذم الله أهل الكتاب في قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ٤٤}(٦)
(١) لما عرفت من أنه لا فرق بين وجود القدرة من غير تأثير، وهو المسمى عندهم بعدم الإستقلال وبين الجبر المحض.
(٢) الصف (٨).
(٣) النساء (٢٧).
(٤) النساء (٦٠).
(٥) هو أبو عمرو عثمان بن عمرو بن أبي بكر الكردي المالكي النحوي الأصولي توفي سنة ٦٤٦ هـ.
(٦) النساء (٤٤).