التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [فصل في العلم، وهو مما تعلقت به الجبرية]

صفحة 17 - الجزء 1

  لا يكشف عن الجهل في حقه تعالى، إلا حيث كان لا يعلم إلا أحدهما⁣(⁣١) ثم أن هذا الدليل الذي زعم الرازي أنه لا جواب عنه يلزم منه أن يكون الباري تعالى غير مختار في رزقنا، ولا في خلق السماوات والأرض وما بينهما، لأنه قد سبق في علمه أنه يخلق ويرزق، فلا بد له من ذلك، وإلا انقلب علمه جهلاً، فيلزم عدم اختياره في شيء من أفعاله، وقد اعترف بهذا الإلزام ابن الحاجب، وسعد الدين وغيرهما من المجبرة، وأقروا بأنه يلزم منه الكفر.

  قال الرازي حكاية عن العدلية بعد كلام معناه ما سبق فيلزم أن لا يكون الله سبحانه قادراً على شيء أصلاً، وذلك كفر بالاتفاق، فثبت أن العلم بعدم الشيء لا يمنع من إمكان وجوه، ثم قال عنهم: ولو كان الخبر والعلم مانعاً لما كان العبد قادراً على شيء أصلاً، لأن الذي علم الله وقوعه كان واجب الوقوع، والواجب لا قدرة عليه، والذي علم عدمه كان ممتنع الوقوع، والممتنع لا قدرة عليه، فوجب ألا يكون العبد قادراً على شيء فكانت حركاته وسكناته جارية مجرى حركات الجمادات، والحركات الإضطرارية للحيوانات، لكنا بالبديهة نعلم فساد ذلك، فإن من رمى إنساناً بالآجرة حتى شجه فإنا نذم الرامي، ولا نذم الآجرة، وندرك بالبديهة تفرقة بين ما إذا سقطت الآجرة عليه وبين ما إذا لكمه إنسان بالإختيار، ولذلك فإن العقلاء ببداهة عقولهم يدركون الفرق بين مدح المحسن، وذم المسيء، ويلتمسون ويأمرون، ويعاتبون ويقولون:


(١) الإيمان في حق المؤمن، أو الكفر في حق الكافر.