فصل [في نفي الحسن والقبح العقليين عند الجبرية]
  واحتجوا ثانياً: لو كان ذاتياً لزم قيام المعنى بالمعنى، أي العرض بالعرض، واللازم باطل.
  أما الأولى: فلأن حسن الفعل مثلاً أمر زائد على مفهوم الفعل، وإلا لزم من تعقل الفعل تعقله، ولا يلزم، إذ يعقل الفعل ولا يخطر بالبال حسنه، ثم يلزم أن يكون أمراً وجودياً لأن نقيضه لا حسن وهو سلب، إذ لو لم يكن سلباً لاستلزم محلاً موجوداً، فلم يصدق على المعدوم أنه ليس بحسن، وأنه باطل بالضرورة، وأيضاً إذا لم يصدق عليه أنه ليس بحسن، صدق عليه أنه حسن، إذ لا مخرج من النفي والإثبات، فلم يكن الحسن وصفاً ذاتياً، إذ المعدوم لا يكون له صفة إلا مقدرة موهومة، وكيف يكون صفة حقيقة ذاتية لما لا حقيقة ولا ذات له؟ وإذا ثبت أن نقيضه سلب كان هو وجوداً، وإلا ارتفع النقيضان، فثبت أنه زائد وجودي، فهو معنى لأن ذلك هو معنى المعنى.
  ثم نقول: الفعل قد وصف حيث يقال: الفعل حسن، فيلزم قيام الحسن بالفعل لامتناع أن يوصف الشيء بمعنى يقوم بغيره والفعل أيضاً معنى وهو ظاهر، فيلزم قيام المعنى بالمعنى.
  وأما الثانية: وهي بطلان اللازم الذي هو قيام المعنى، وهو الحسن بالمعنى، وهو الفعل، فلأنه يلزم إثبات الحكم - الفعل - وهو كون المعنى قائماً به لمحل المعنى، وهو الفاعل، لا للفعل نفسه، لأن الحاصل قيام المعنيين معاً بالجوهر، إذ المعنيان معاً في حيز الجوهر بطريق التبعية له، وحقيقة القيام: هو التبعية في التحيز.