فصل [قالت العدلية: العقل حاكم]
  بل هو بعينه، وذلك لأنهم يقولون ويعترفون ويوافقون: إن العقل يدرك صفة الكمال والنقص، ويدرك ملاءمة الغرض ومنافرته، وإنما ينكرون الحسن والقبح في الفعل المتعلق بالمدح والذم، فعندهم أن العقل لا يحكم بذلك، وقالوا لا يقبح من الله قبيح ولا ظلم، فالكفر والزنا واللواط والجور والظلم والتعذيب بغير جرم، ورفع فرعون في عليين، وإنزال موسى في الدرك الأسفل من النار الجميع فعله وخلقه، ولا يقبح منه ذلك، وممن صرح منه بفساد مذهبهم في نفي التحسين والتقبيح العقليين وهو كون الشيء متعلق المدح عاجلاً والثواب آجلاً، وكونه متعلق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً.
  صاحب التوضيح(١) قال: كل من علم أن الله تعالى عالم فاعل بالاختيار، وعلم أنه غريق بنعمة الله في كل لحظة، ثم مع ذلك ينسب من الصفات والأفعال ما يعتقد أنه في غاية القبح والشناعة إليه تعالى فلم ير بعقله أنه يستحق بذلك مذمة، ولم يتيقن أنه في معرض سخط عظيم، وعذاب أليم، فقد سجل غوايته على غباوته ... ولجاجته، وبرهن على سخافة عقله واعوجاجه، واستخف بفكره ورأيه، حيث لم يعلم بالشر الذي في رأيه، إلى أن قال: فلما أبطلنا دليل الأشعري رجعنا إلى إقامة الدليل على مذهبنا.
  وقال أيضاً: على أن الأشعري يسلم القبح والحسن عقلاً بمعنى الكمال والنقصان، فلا شك أن كل كمال محمود، وكل نقصان
(١) هو من القائلين بخلق أفعال المكلفين.