التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [وأما أنه يقع في ملكه ما لا يريد]

صفحة 26 - الجزء 1

  الإلزام لازم لكم، لأنكم تقرون بأن الله تعالى قد خولف فيما أمر به، فما المانع أن يخالف فيما أراده عندكم! إنما ذلك مقتضى الحكمة في إنزال الكتب، وإرسال الرسل، فالأمر أولى بأن تكون مخالفته لازمة للعجز، لأنه لا يتردد عند سماعه أن الآمر طلبه بخلاف الإرادة، فإنها لا تظهر مع عدم القرينة، ولأن الأمر لا يكون إلا بعد الإرادة فهي من لوازمه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ١}⁣(⁣١) بعد قوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ}.

  وقالت العدلية أيضاً إما أن يكون الله تعالى قادراً على أن يخلق للعبيد قدرة مؤثرة، أو غير قادر.

  فإن قالت المجبرة: إنه غير قادر لزمهم أنه عاجز، والأمر على خلافه، لأن الله على كل شيء قدير.

  وان قالوا: إنه قادر على ذلك.

  قلنا: فقد فعل بشهادة ضرورة العقل، وشهادة صريح القرآن حيث يقول ø: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}⁣(⁣٢) فقد قضت حكمته بأن جعل الاختيار إليهم في عمل أيهما شاءوا، ليستحقوا الثواب، أو العقاب ولو منعه عن فعل المعصية والطاعة، لم يستحق الثواب على فعل الطاعة، ولا العقاب على فعل المعصية، وبطل التكليف إذ هو ملجأ حينئذ، ثم إن قولكم: لا يقع في ملكه مالا يريد، يرده أيضاً قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ


(١) المائدة (١).

(٢) فصلت (٤٦).