فصل [قول المجبرة: إنه سبحانه يفعل الفعل من دون غرض وحكمة]
  تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}(١) فقد صرح بالغرض، وأنتم تنفونه، وصرح أنه حكيم عليم، فنعتقد أن أفعاله كلها سبحانه لغرض صحيح، وحكمة وصواب، لهذه الأدلة وغيرها، وإن قصر علمنا وفهمنا عن وجه الحكمة في بعض الأشياء، فلا يمنع ذلك كونه حكمة في نفس الأمر، ألا ترى إلى قوله تعالى جواباً على الملائكة لما خفي عليهم وجه الحكمة في جعله في الأرض خليفة: {إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٩٦}(٢) أي إني أعلم من الحكمة والمصلحة مالا تعلمون، فعند ذلك يقول: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}(٣) لأنه أعلم بالمصلحة والحكمة، فما ذكرتموا من مناظرة إبليس والملائكة غير وارد علينا، لأن له تعالى أن يختبر عباده، وإن كان عالماً بما سيكون ليعلق الجزاء على الأعمال الظاهرة لئلا يكون لهم حجة {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(٤) يميزهم بالإمتحان، وسائر البلاوي من وسوسة الشيطان وغير ذلك من الإختبارات {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}(٥).
  وقضت حكمته باختبار من في السماء ومن في الأرض.
  وقضت حكمته بالجزاء على الطاعة والعصيان، من غير أن نوجب
(١) الملك (٢).
(٢) البقرة (٣٠).
(٣) الأنبياء (٢٣).
(٤) آل عمران (١٧٩).
(٥) الأنفال (٤٣).