التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [الآيات التي تعلقوا بها في قولهم بالجبر]

صفحة 38 - الجزء 1

  تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣(⁣١) {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}⁣(⁣٢).

  أجابت العدلية: إن مثل ذلك إنما سيق للتمدح بأنه الخالق الرازق، إيقاظاً وتحريضاً على ترك عبادة ما هو مخلوق له تعالى، كعبادة الأحجار والشمس والقمر وغيرها من المخلوقات، وأنه تعالى الحقيق بالعبادة دون كل مخلوق، وأنه الرازق دونهم.

  ألا ترى إلى قوله تعالى في آخر قوله {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} حيث قال: {يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ولو كان الأمر كما زعمتم أنه خالق الكفر والفساد، وظلم العباد لانعكس هذا التمدح، وصار في نقيض التمدح جلياً، على أنا لو فرضنا أن ذلك لم يساق للتمدح، وأن لهم في ذلك تعلق، فذلك مخصص بأفعالنا الإختيارية، التي تحكم بها ضرورة العقول، فإن الرعشة بالبرد ليست كالرعشة بالإختيار ضرورة، ثم إنه يلزمكم خلق القرآن لأنه شيء، وجميع الصفات القديمة لديكم لأنها أشياء.

  ثم نقول: ما خص نفسه وخروجه من العموم خص أفعالنا الإختيارية بالضرورة، ثم إن معنى قولكم: لا خالق إلا الله، لا فاعل للمعاصي إلا الله، تعالى الله عن ذلك، وأن العصاة منزهون عن نسبة القبائح إليهم، ومعذورون في جميع الفواحش.


(١) الزمر (٦٢).

(٢) فاطر (٣).