التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [في تأويل آيات تعلقت بها المجبرة أيضا]

صفحة 47 - الجزء 1

  لكونهم قبلوا الهداية فزادهم الله توفيقاً مكافأة.

  نعم فما في القرآن من نحو الختم والطبع، إلا وتجده مرتباً على فعل العبد، فيجري ذلك مجرى {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}⁣(⁣١) ومما يؤيد ذلك أن الختم وقع جزاء ذلك قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٧}⁣(⁣٢) عطفاً عليه.

  ثم إن الختم بالإتفاق مجاز، إذ هو في الحقيقة الإستيثاق، وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن لا يستوثق من الشيء إلا إذا كان على صفة لولا الإستيثاق منه لكان على صفة أخرى، كالإناء الملآن بالماء، إذا لم يشد وكاه اهراق، فإذا كان الكفر بخلق الله تعالى فلا حاجة إذاً إلى الختم لمنع الإيمان، بل يكفي منه تعالى عدم خلق الإيمان، أو خلق الكفر، ولا دخل للختم في الكفر، فما هو إلا كالختم بالإستيثاق من الحجر التي ليس فيها ما يخاف سيلانه، ولا يصح المجاز على هذا، وكان يكفي على كلام المجبرة عن قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} كلمة واحدة، وهي قوله: خلقت فيهم الكفر، أو لأني لم أخلق فيهم إيماناً.

  نعم فالطبع والختم عبارة عن سلب الله تعالى إياهم تنوير القلب الزائد على العقل الكافي في التكليف ما دام المكلف مصراً على


(١) الزخرف (٥٥).

(٢) البقرة (٧).