التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [في معنى قوله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل}]

صفحة 55 - الجزء 1

  لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٧٨}⁣(⁣١) فالإزدياد في الإثم عقوبة لهم على معاندتهم، وجحودهم، وعدم قبولهم الهداية، ولذا عطف عليه {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٧٨} لأن هذه الآية وما قبلها، وما بعدها في شأن (أُحد) وفي تثبيط المنافقين للمؤمنين.

  وأما قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}⁣(⁣٢) أي بسبب إذن الله في طاعته، أو بأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه، أو بتيسير الله وتوفيقه.

  وأما قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}⁣(⁣٣) فإنهم لما نبوا عن الإيمان، ولم يسمعوا القرآن سماع تدبر، عاقبهم الله بذلك على ذلك، أو أن ذلك مثل في نبو قلوبهم، ومسامعهم عن قبوله، واعتقاد صحته، ووجه إسناد الفعل إلى ذاته للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم، كأنهم مجبولون عليه.

  وأما قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا}⁣(⁣٤) أي خليناهم ليمكروا، وما كففناهم عن المكر، ثم قال: {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ١٢٣}⁣(⁣٥) في معرض التهديد لهم والزجر، وهذه تسلية لرسول الله ÷، وتقديم موعد بالنصر عليهم.


(١) آل عمران (١٧٨).

(٢) النساء (٦٤).

(٣) الإسراء (٤٦).

(٤) الأنعام (١٢٣).

(٥) الأنعام (١٢٣).